للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْفُرْسِ سَأَلُوهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَكَتَبَ لَهُمْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ بِالْفَارِسِيَّةِ، فَأَجَابَ عَنْهُ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ كَتَبَ تَفْسِيرَ الْفَاتِحَةِ لَا حَقِيقَتَهَا اهـ.

فَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ كِتَابَتِهَا بِالْعَجَمِيَّةِ فَإِنْ قُلْت: كَلَامُ الْأَصْحَابِ إنَّمَا هُوَ جَوَابٌ عَنْ حُرْمَةِ قِرَاءَتِهَا بِالْعَجَمِيَّةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ بِهَا فَلَا دَلِيلَ لَكُمْ فِيهِ قُلْت: بَلْ هُوَ جَوَابٌ عَنْ الْأَمْرَيْنِ، وَزَعْمُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْعَجَمِيَّةِ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْكِتَابَةِ بِهَا مَمْنُوعٌ بِإِطْلَاقِهِ، فَقَدْ يُكْتَبُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَيُقْرَأُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَعَكْسُهُ، فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ كَانَ الْجَوَابُ عَمَّا فَعَلَهُ سَلْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ ظَاهِرًا فِيمَا قُلْنَاهُ عَلَى أَنَّ مِمَّا يُصَرَّحُ بِهِ أَيْضًا أَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ هَلْ يُكْتَبُ الْمُصْحَفُ عَلَى مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ مِنْ الْهِجَاءِ؟

فَقَالَ لَا إلَّا عَلَى الْكَتْبَةِ الْأُولَى أَيْ كَتْبَةِ الْإِمَامِ، وَهُوَ الْمُصْحَفُ الْعُثْمَانِيُّ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ وَنَسَبْتُهُ إلَى مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَسْئُولُ وَإِلَّا فَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ هُوَ الْحَقُّ إذْ فِيهِ بَقَاءُ الْحَالَةِ الْأُولَى إلَى أَنْ يَتَعَلَّمَهَا الْآخَرُونَ، وَفِي خِلَافِهَا تَجْهِيلُ آخِرِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهُمْ، وَإِذَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ كَمَا تَرَى عَلَى مَنْعِ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنْ مِثْلِ كِتَابَةِ الرِّبَا بِالْأَلْفِ مَعَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلَفْظِ الْهِجَاءِ، فَمَنْعُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْهِجَاءِ أَوْلَى، وَأَيْضًا فَفِي كِتَابَتِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ تَصَرُّفٌ فِي اللَّفْظِ الْمُعْجِزِ الَّذِي حَصَلَ التَّحَدِّي بِهِ بِمَا لَمْ يَرِدْ بَلْ بِمَا يُوهِمُ عَدَمَ الْإِعْجَازِ، بَلْ الرَّكَاكَةَ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ الْعَجَمِيَّةَ فِيهَا تَقْدِيمُ الْمُضَافِ إلَيْهِ عَلَى الْمُضَافِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِالنَّظْمِ وَيُشَوِّشُ الْفَهْمَ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ التَّرْتِيبَ مِنْ مَنَاطِ الْإِعْجَازِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي حُرْمَةِ تَقْدِيمِ آيَةٍ عَلَى آيَةٍ كِتَابَةً كَمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ قِرَاءَةً، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِعَكْسِ السُّوَرِ مَكْرُوهَةٌ وَبِعَكْسِ الْآيَاتِ مُحَرَّمَةٌ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ عَلَى النَّظْمِ الْمُصْحَفِيِّ مَظْنُونٌ، وَتَرْتِيبُ الْآيَاتِ قَطْعِيٌّ. وَزَعْمُ أَنَّ كِتَابَتَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ فِيهَا سُهُولَةٌ لِلتَّعْلِيمِ كَذِبٌ مُخَالِفٌ لِلْوَاقِعِ وَالْمُشَاهَدَةِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ صِدْقُهُ لَمْ يَكُنْ مُبِيحًا لِإِخْرَاجِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَمَّا كُتِبَتْ عَلَيْهِ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهَا السَّلَفُ وَالْخَلَفُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مُدْخِلِي الْمَيِّتِ قَبْرَهُ إذَا أَصَابَهُمْ شَيْءٌ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ مَعَ رُطُوبَةٍ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ نَبْشُ الْقَبْرِ هَلْ يُنَجِّسُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يُنَجِّسُ إذْ لَا نَجَاسَةَ مَعَ الشَّكِّ، ثُمَّ إنْ قَرُبَ احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ فَالْأَوْلَى غَسْلُ ذَلِكَ وَإِلَّا الْأَوْلَى تَرْكُ غَسْلِهِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

(مِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ غَسْلُ الثَّوْبِ الْجَدِيدِ، أَيْ الَّذِي لَا يَقْرُبُ احْتِمَالُ نَجَاسَتِهِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَاجِبٌ غَسْلُ حَصَى الْجِمَارِ، أَيْ لِقُرْبِ احْتِمَالِ تَنَجُّسِهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مِثْلِهَا أَنْ تُصِيبَهُ نَجَاسَةُ الْمَارِّينَ وَنَحْوِهِمْ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ كَانُوا يَمْشُونَ حُفَاةً فِي الطُّرُقَاتِ وَالطِّينِ وَيُصَلُّونَ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ أَرْجُلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ، إمَّا بَيَانُ الْعَفْوِ عَنْ طِينِ الشَّوَارِعِ وَنَحْوِهِ أَوْ أَنَّ هَذَا الدِّينَ سَهْلٌ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ عَلَيْنَا فِيهِ مِنْ حَرَجٍ خِلَافًا لِقَوْمٍ غَلَبَ الشَّيْطَانُ عَلَى عُقُولِهِمْ فَزَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْوَسْوَسَةَ فِي الطِّهَارَاتِ مِنْ شَعَائِرِ الْمُتَّقِينَ، وَمَا دَرَوْا أَنَّهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى فَسَادِ الْعَقْلِ وَقِلَّةِ الدِّينِ، نَعَمْ هِيَ شِعَارٌ، أَيْ شِعَارٌ عِنْدَ الشِّيعَةِ الَّذِينَ خَذَلَهُمْ اللَّهُ وَأَرْكَسَهُمْ وَمِنْ خَيْرِ مَا عِنْدَهُ حَرَمَهُمْ وَعَنْهُ طَرَدَهُمْ فَيَلْحَقُ بِهِمْ الْمُوَسْوَسُونَ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْمٍ حُشِرَ مَعَهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى يُوَفِّقُنَا لِمَرْضَاتِهِ وَيَمُنُّ عَلَيْنَا بِجَزِيلِ هِبَاتِهِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ هَلْ يَتَيَمَّمُ لِلصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ أَوْ يُصَلِّي بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مَعَ النَّجَاسَةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقَوْلُهُمْ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ مِمَّنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ مَحَلُّهُ فِيمَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِيه إلَّا لِإِزَالَتِهَا دُونَ الْوُضُوءِ مَثَلًا فَهَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَنْ الْوُضُوءِ ثُمَّ بَعْدَ التَّيَمُّمِ يَغْسِلُ بِمَا مَعَهُ نَجَاسَةَ بَدَنِهِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ؛ لِلْإِبَاحَةِ، وَلَا إبَاحَةَ مَعَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهَا وَلَا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلتُّرَابِ فَعَلَيْهِ التَّيَمُّمُ بِهِ ثُمَّ الصَّلَاةُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ثُمَّ الْقَضَاءُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ كَلْبٍ مَسَّ دَرَجَةَ بِرْكَةٍ كَبِيرَةٍ وَفِيهَا مَاءٌ كَثِيرٌ فَهَلْ يَنْجُسُ مَا لَاقَاهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>