التَّحَلُّلِ بِالطَّوَافِ وَالْحَلْقِ وَيَقَعُ حَجُّهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَيُجْبَرُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِالدَّمِ اهـ وَقَالَ غَيْرُهُ إذَا لَمْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى فَعَلَيْهِ الدَّمُ لِفَوَاتِ الرَّمْيِ كَغَيْرِ الْمُحْصَرِ فَيَحْصُلُ عَلَى الْأَصَحِّ بِالدَّمِ وَالْحَلْقُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ ثُمَّ يَطُوفُ مَتَى أَمْكَنَهُ لِبَقَائِهِ عَلَيْهِ وَيَسْعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى وَتَمَّ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ ثَانٍ لِلْمَبِيتِ بِمِنًى لِفَوَاتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ لَزِمَهُ دَمٌ ثَالِثٌ.
وَفِي الْخَادِمِ بَعْدَ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ فَهُوَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى وُجُوبِ الدَّمِ بِفَوَاتِهِمَا كَغَيْرِ الْمُحْصَرِ أَيْ وَلَا يُفِيدُ الْإِحْصَارُ إلَّا عَدَمَ الْإِثْمِ فَإِنَّ الْأَيَّامَ إذَا مَضَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَجَلِ تَرْكِ الرَّمْيِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ تُرِكَ ذَلِكَ بِدُونِ الْحُصْرِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّمْيِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الدَّمُ لِتَرْكِ الْمَبِيتِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ عُذْرٌ غَيْرُ السِّقَايَةِ وَالرَّعْيِ هَلْ يَلْحَقُ بِهِمَا إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْمَبِيتِ أَمْ لَا فَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِهِمَا لَمْ يَجِبْ هُنَا شَيْءٌ وَإِلَّا وَجَبَ اهـ قُلْت وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ أُحْصِرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أُحِبُّ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى إحْرَامِهِ فَإِنْ فَعَلَ أَرَاقَ دَمًا لِتَرْكِ الْجِمَارِ وَلَيَالِي مِنًى فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْبَيْتِ طَافَ وَسَعَى اهـ كَلَامُ الْخَادِمِ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ لَوْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَمُنِعَ مَا سِوَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَتَمَكَّنَ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالْإِحْصَارِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِالطَّوَافِ وَالْحَلْقِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَرْكِ الرَّمْيِ وَيُجْزِئُهُ حَجُّهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ فَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فِي الْوَاقِعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ فِيهَا أَنَّهُمْ كَالْمُحْصَرِينَ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيهِمْ وُجُوبُ الدَّمِ فِي الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ قُلْت لَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ لِعُذْرٍ لَا دَمَ فِيهِ مَعَ قَوْلهمْ هُنَا بِوُجُوبِهِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي تَرْكِهِ فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَلْحَظَ وُجُوبِ الدَّمِ هُنَا غَيْرُ مَلْحَظِهِ فِي صُورَتِنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا الْإِحْصَارُ الَّذِي ذَكَرُوهُ وَإِنَّمَا فِيهَا مُجَرَّدُ خَوْفٍ مِنْ الْإِقَامَةِ لِلرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ وَبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِحْصَارَ فِيهِ صَدٌّ عَنْ نَفْسِ الْحَجِّ أَوْ بَعْضِ أَرْكَانِهِ بِالْقَصْدِ لَا بِطَرِيقِ اللَّازِمِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ أَصْلًا.
وَأَيْضًا الْإِحْصَارُ مُجَوِّزٌ لِلْخُرُوجِ عَنْ أَصْلٍ الْحَجَّ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الدَّمُ فَكَانَ مَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ الَّذِي هُوَ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ إذَا أُحْصِرَ عَنْهُمَا فَمِنْ ثَمَّ أَوْجَبُوا فِي الْمَبِيتِ الدَّمَ هُنَا وَإِنْ أُحْصِرَ عَنْهُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَبِيتِ وَيُعْلَمُ أَنَّ مَلْحَظَ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ هُنَا مِنْ وُجُوبِ الدَّمِ فِيهِ غَيْرُ مَلْحَظٍ مَا ذَكَرُوهُ ثُمَّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْخَائِفِ وَنَحْوِهِ إذَا تَرَكَهُ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّمْيِ حَيْثُ سَقَطَ بِهَذَا الْخَوْفِ الْعَامِّ عَلَى مَا ذَكَرْت وَبَيْنَ تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ وَإِنْ تَرَكَ لِذَلِكَ قُلْت قَدْ أَشَرْت لِلْفَرْقِ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ الرَّمْيَ لَمَّا دَخَلَتْهُ الْإِنَابَةُ دَخَلَتْهُ الْأَعْذَارُ وَأَثَّرَتْ فِي سُقُوطِهِ بِالْأُولَى كَأَصْلِ الْحَجِّ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَمْ تَدْخُلْهُ نِيَابَةً فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الْعُذْرُ بِالسُّقُوطِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
فَإِنَّ قُلْت هُنَا صُورَةٌ تَتَعَذَّرُ فِيهَا الْإِنَابَةُ وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ فِيهَا الدَّمُ فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ وَتِلْكَ الصُّورَةُ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ الْإِغْمَاءُ أَوْ الْجُنُونُ وَلَمْ يَأْذَنْ لِغَيْرِهِ فِي الرَّمْيِ عَنْهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ وَلَيْسَ بِعَاجِزٍ آيِسٍ إذْ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ إلَّا إنْ كَانَ عَاجِزًا آيِسًا كَأَنْ كَانَ مَرِيضًا آيِسًا فَأَذِنَ ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَأْذَنْ كَمَا ذُكِرَ لَمْ يُجْزِئ عَنْهُ الرَّمْيُ وَعَلَيْهِ دَمٌ إذَا أَفَاقَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالرَّمْيِ هُوَ وَلَا نَائِبِهِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ عَمَّنْ تَأَمَّلَهُ مَا فِي الْخَادِمِ وَإِذَا تَقَرَّرَ الدَّمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَصُورَتُنَا مِثْلُهَا بَلْ أَوْلَى قُلْت هَذِهِ لَا تَرِدُ عَلَيْنَا لِمَا قَرَّرْنَاهُ مُوَضَّحًا أَنَّهُمْ غَلَبُوا فِي أَحْكَامِ الرَّمْيِ مُشَابَهَتَهُ لِأَصْلِ الْحَجِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَصْلَ الْحَجِّ يَسْقُطُ دَوَامًا كَمَا فِي بَعْضِ صُوَرِ الْحَصْرِ وَابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ اسْتِقْرَارٍ بِالْخَوْفِ الْعَامِّ بَلْ الْخَاصِّ عَلَى مَا فِيهِ وَلَا كَذَلِكَ الْجُنُونُ أَوْ الْإِغْمَاءُ وَكَانَ سِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الْخَوْفَ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ وَقَدْ يَقَعُ فِيهِ هَتْكُ حَرِيمٍ أَوْ نَفْسٍ فَوَسِعَ فِيهِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ.
وَلَمَّا فَرَغَ ذَلِكَ أَخْبَرَنِي بَعْضُ مُسِنِّي مَكَّةَ وَأَصْلَابُهُمْ أَنَّهُ كَانَ وَقَعَ نَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَنَةَ إمْسَاكِ قِيتِ الرَّجَا الْمَرْسُولِ مِنْ جِهَةِ سُلْطَانِ مِصْرَ الْغُورِيِّ لِسُلْطَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute