للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا وَقُلْنَا الْمَشْيُ أَفْضَلُ فَحُجَّ رَاكِبًا انْتَهَتْ وَكَانَ الْمَوْقِعُ فِي ذَلِكَ الْإِفْتَاءِ أَنَّ صَاحِبَ الرَّوْضَةِ حَذَفَ مِنْ أَصْلِهِ قَوْلَهُ وَيَخْرُجُ عَنْ حَجِّ النَّذْرِ بِالْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَلَمْ يُنَبِّهْ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ عَلَى إسْقَاطِهِ لِهَذَا الْحُكْمِ الْمُهِمِّ مِنْ أَصْلِهِ فَظَنَّ مَنْ أَفْتَى بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مَنْقُولَةٍ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا فِي الْأَمْرَيْنِ كَمَا يَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ وَتَحْقِيقُهُ فَفَرِّغْ ذِهْنَك لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مُطْلَقًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَحُجَّ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا

لِأَنَّ الْجَمِيعَ حَجٌّ صَحِيحٌ وَلَوْ نَذَرَ الْقِرَانَ كَانَ مُلْتَزِمًا لِلنُّسُكَيْنِ فَإِنْ أَتَى بِهِمَا مُفْرَدَيْنِ أَجْزَأَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ وَإِنْ نَذَرَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مُفْرَدَيْنِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ فَهُوَ كَمَا إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مَاشِيًا وَقُلْنَا الْمَشْيُ أَفْضَلُ فَحَجَّ رَاكِبًا وَإِذَا نَذَرَ الْقِرَانَ فَأَفْرَدَهُمَا لَزِمَهُ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ فَلَا يَسْقُطُ انْتَهَتْ فَعُلِمَ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ أَنَّهُمَا مَفْرُوضَتَانِ فِي عَيْنِ صُورَةِ السُّؤَالِ وَهُوَ نَذْرُ الْحَجِّ مُطْلَقًا أَيْ مِنْ غَيْرِ ضَمِّ نُسُكٍ آخَرَ إلَيْهِ وَأَنَّهُمَا صَرِيحَتَانِ فِي جَوَازِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى وَجْهِ التَّمَتُّعِ بَلْ وَفِي أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ لَا بِنِيَّةِ الْإِفْرَادِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَبِأَنَّ ذَلِكَ تَصْرِيحٌ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُصَرِّحٌ بِأَنَّ مَنْ نَذَرَ الْقِرَانَ أَجْزَأَهُ الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَفْضَلَ مِمَّا الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ وَهُوَ الْقِرَانُ مَعَ أَنَّ فِي الْإِفْرَادِ تَأْخِيرَ الْعُمْرَةِ الْمُلْتَزَمَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْهُ وَفِي التَّمَتُّعِ تَأْخِيرُ الْحَجِّ الْمُلْتَزَمِ مِنْهُ عَنْهُ أَيْضًا

وَلَمْ يَنْظُرُوا لِهَذَا التَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ الْحَاصِلَةُ فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ فَكَذَلِكَ لَا نَظَرَ فِي مَسْأَلَتِنَا لِتَأْخِيرِ الْحَجِّ الْمُلْتَزَمِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْهُ لِوُجُودِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فِي كُلٍّ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ الْفَاضِلَيْنِ عَلَيْهِ بِعَيْنِ مَا قَرَّرُوهُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ وَوَجْهُهُ أَعْنِي مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ النَّذْرَ مَحْمُولٌ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ وَوَاجِبُهُ أَنَّ الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ فَكَانَا فِي النَّذْرِ كَذَلِكَ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِفِضَّةٍ لَمْ يَكْفِ الذَّهَبُ قُلْت لَا يُنَافِيه لِأَنَّ الذَّهَبَ جِنْسٌ مُغَايِرٌ لِلْفِضَّةِ ذَاتًا وَصِفَةً وَلَيْسَ وُجُوهُ النُّسُكَيْنِ كَذَلِكَ بَلْ جِنْسُهُمَا مُتَّحِدٌ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَيْفِيَّةِ لَا غَيْرُ وَإِذَا عَلِمْت أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ فِي النُّسُكِ بِأَفْضَلِيَّةِ غَيْرِ الْمَنْذُورِ الْمَذْكُورِ حَمْلًا لِلنَّذْرِ عَلَى الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ عَلِمْت أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ بِجَوَازِ كُلٍّ مِنْ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَأَنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَتَى بِالْأَفْضَلِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَحْدَهُ فَلَزِمَ بِمُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ جَوَازُ كُلٍّ مِنْهَا وَإِجْزَاؤُهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ الْأَفْضَلُ فَإِنْ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِيَخْرُجُ وَالْمَجْمُوعُ بِأَجْزَأَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ

قُلْت بَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ سَبَرَ كُتُبَهُمْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ أَحَدَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ أَعْنِي الْخُرُوجَ وَالْإِجْزَاءَ إلَّا فِي الْجَائِزِ وَبِتَسْلِيمِ أَنَّهُمْ قَدْ يَسْتَعْمِلُونَ أَحَدَهُمَا فِي الْحَرَامِ كَانَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُبَيِّنُوا حُرْمَتَهُ وَإِلَّا كَانَ غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْأَفْهَام لَا يَتَبَادَرُ إلَيْهَا مِنْ إطْلَاقِ الْخُرُوجِ بِشَيْءٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَإِجْزَائِهِ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ جَائِزٌ.

ثَانِيهِمَا: مَا ذَكَرُوهُ مِنْ جَوَازِ كُلٍّ مَنْ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ عَنْ الْقِرَانِ الْمُلْتَزَمِ بَلْ أَفْضَلِيَّتُهُ مَعَ مَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ تَأْخِيرِ بَعْضِ الْمُلْتَزَمِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْهُ لَكِنَّ الْجَائِزَ أَقْوَى كَمَا قَدَّمْته مَعَ بَيَانِ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَظِيرُ ذَلِكَ التَّأْخِيرِ إلَّا أَنَّهُ لِجَائِزٍ أَقْوَى أَيْضًا فَسَاوَى مَا قَالُوهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَهَذَا صَرِيحٌ وَاضِحٌ فِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَخْرُجُ فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى وَأَجْزَأَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بَلْ أَفْضَلُ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَازِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ

وَأَمَّا دَمُ الْعُدُولِ عَنْ الْمَنْذُورِ فَهَلْ يَجِبُ وَإِنْ عَدَلَ إلَى الْأَفْضَلِ كَمَا لَوْ عَدَلَ عَنْ الْمَشْيِ الْمُلْتَزَمِ فِي نَذْرِ النُّسُكِ إلَى الرُّكُوبِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ أَفْضَلَ أَوْ لَا يَجِبُ لِإِمْكَانِ الْفَرْقِ وَاَلَّذِي جَرَيْت عَلَيْهِ كَشَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ صَيِّبَ الرِّضْوَانِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ الثَّانِي وَعِبَارَتُهُ أَوْ نَذَرَ قِرَانًا أَوْ تَمَتُّعًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فَأَفْرَدَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَيَلْزَمُهُ إنْ أَفْرَدَ دَمُ الْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ لِالْتِزَامِهِ لَهُ بِالنَّذْرِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْعُدُولِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْحَجِّ اهـ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْقَمُولِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>