وَيُحْتَمَلُ هُنَا أَنْ يُجْتَهَدَ إنْ كَانَ ثَمَّ أَمَارَةً اهـ. وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ فِي هَذِهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الِاجْتِهَادَ؛ لِإِلْزَامِ الْغَيْرِ بِجَعْلِ النُّحَاسِ لَهُ لَمْ يُفِدْهُ اجْتِهَادُهُ ذَلِكَ.
وَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَمْيِيزَ حَقِّهِ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَحِلَّ لَهُ تَنَاوُلُ مَا ظَهَرَ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ أَنَّهُ لَهُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَلْحَقُ بِالنَّاظِرِ الْوَلِيُّ مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ وَقَيِّمِهِ إذَا كَانَ تَحْتَ يَدِهِ أَمْوَالُ لِمَحَاجِيرِهِ وَالْتُبِسَتْ، أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُلَّاكَ هُنَا يُرْجَى كَمَالُهُمْ وَاجْتِهَادُهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ فَلَا حَاجَةَ إلَى اجْتِهَادِ الْوَلِيِّ بِخِلَافِ مَصَارِفِ الْوَقْفِ إذَا كَانَتْ جِهَاتٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا اجْتِهَادٌ، قُلْت: قَضِيَّةُ تَسْوِيَتِهِمْ فِي بَابِ الْوَقْفِ بَيْنَ النَّاظِرِ وَالْوَلِيِّ فِي مَسَائِلِ إلْحَاقِهِ بِهِ هُنَا فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي، نَعَمْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ إلَّا فِيمَا اُضْطُرَّ إلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَأَمَّا مَا لَا يُضْطَرُّ إلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْهَا فَيُبْقِيه عَلَى اشْتِبَاهِهِ الَّذِي لَا يُضَرُّ بِهِ إلَى كَمَالِ مَالِكِيهِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَجِبُ فِيمَا اُضْطُرَّ إلَى تَنَاوُلِهِ كَشَاةٍ مَيْتَةٍ اُلْتُبِسَتْ بِمَذْبُوحَةٍ وَاضْطُرَّ إلَى الْأَكْلِ، وَيَجُوزُ فِيمَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ فَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي النَّاظِرِ وَالْوَلِيِّ فَإِنْ قُلْت: مَا ذُكِرَ فِي النَّاظِرِ إنَّمَا يَتَّجِهُ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَاتٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الِاجْتِهَادُ.
أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى مُسْتَحَقِّينَ كَامِلِينَ يُمْكِنُ اجْتِهَادُهُمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الِاجْتِهَادُ لِلنَّاظِرِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ قُلْت: هُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الْغَلَّةَ فَإِذَا كَانَ كَامِلًا وَاشْتُبِهَتْ غَلَّتُهُ الَّتِي مَلَكَهَا بِغَلَّةِ غَيْرِهِ اجْتَهَدَ هُوَ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لَا النَّاظِرُ فَإِذَا ظَهَرَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنَّ الْغَلَّةَ الَّتِي صِفَتُهَا كَذَا هِيَ الَّتِي مَلَكَهَا تَوَلَّى النَّاظِرُ حِينَئِذٍ إعْطَاءَهَا إلَيْهِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي: أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ أَمْوَالٌ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِيهِ وَاشْتَبَهَتْ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا، بَلْ يُبْقِيهَا عَلَى حَالِهَا حَتَّى يَجْتَهِدَ فِيهَا مُلَّاكُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى ذَلِكَ الَّذِي قَدْ يَقَعُ بِسَبَبِهِ نَقْصٌ وَتَنَازُعٌ بَيْنَ الْمُلَّاكِ لَا غَايَةَ لَهُ: فَإِنْ قُلْت: هَذَا أَعْنِي اجْتِهَادَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ مُتَّحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى الْعَلَامَةِ الْمُمَيِّزَةِ لِمِلْكِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَلَامَةِ مَا حُكْمُهُ؟
قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُرْجَعُ إلَى قَوْلِ النَّاظِرِ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ الْآتِي وَقَدْ أُشْكِلَ عَلَى الْوَدِيعِ مُسْتَحِقُّهُ مِنْهُمَا إذْ قَضِيَّتُهُ: أَنَّ الْوَدِيعَ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي التَّعْيِينِ، وَإِذَا رَجَعَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَالنَّاظِرُ أَوْلَى بِهَذَا مِنْهُ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ أَقْوَى، وَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ اشْتَبَهَ مَالُهُ بِمَالِ غَيْرِهِ وَاجْتَهَدَ فَظَهَرَ لَهُ أَنَّ أَحَدَ الْمَالَيْنِ بِعَيْنِهِ هُوَ مَالُهُ وَنَازَعَهُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ فَإِنْ قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ النَّاظِرُ مُمَيِّزًا لِأَحَدِ الْمَالَيْنِ هُنَا أَوْ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ مَا حُكْمُهُ؟
قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ تُوقَفُ الْأَمْوَالُ الْمُشْتَبِهَةُ حَتَّى يَصْطَلِحَ مُلَّاكُهَا عَلَى شَيْءٍ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ: وَإِنْ اُسْتُوْقِفَ مَالَ إلَى اصْطِلَاحِ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهِ كَمَالِ وُقِفَ لِشَخْصَيْنِ عِنْدَ وَدِيعٍ وَقَدْ أُشْكِلَ عَلَى الْوَدِيعِ مُسْتَحِقُّهُ مِنْهُمَا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ أَحَدُهُمَا، فَيُعْطِي الْآخَرَ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعَ لَهُ، وَشَرْطُهُ تَحَقُّقُ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ عَلَى أَنْ يَتَفَاضَلَا فِيهِ جَازَ لِلضَّرُورَةِ؛ وَلِأَنَّهُ نُزُولٌ عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ وَقَوْلُهُمْ: لَوْ مَاتَ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ قَبْلَ التَّعْيِينِ وُقِفَ لَهُنَّ مِيرَاثُ الزَّوْجَاتِ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ؛ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِعَيْنِ مُسْتَحِقِّهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ بِحَسَبِ اصْطِلَاحِهِنَّ بِتَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِنَّ مَحْجُورٌ عَلَيْهَا لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ وَصَالَحَ عَنْهَا وَلِيُّهَا فَيَمْتَنِعُ بِدُونِ حُصُولٍ مِنْ عَدَدِهِنَّ اهـ.
فَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنْ قَلَّتْ: إنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْوَقْفُ إلَى الصُّلْحِ إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ يُمْكِنُ اصْطِلَاحُهُمْ فَإِنْ كَانَ نَحْوَ جِهَاتٍ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا ذَلِكَ مَا حُكْمُهُ؟ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ حِينَئِذٍ أَنَّ النَّاظِرَ يَقْسِمُ تِلْكَ الْأَمْوَالَ بَيْنَ تِلْكَ الْجِهَاتِ عَلَى السَّوَاءِ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَا إذَا انْدَرَسَتْ شُرُوطُ الْوَاقِفِ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ.
فَإِنْ قُلْت: إذَا قُلْت: بِالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ النَّاظِرِ وَادَّعَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مُمَيِّزًا فَهَلْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ تَحْلِيفُهُ؟ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لَهُمْ تَحْلِيفَهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إنْ ادَّعَوْهُ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ قَالَ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ عَيْنٌ لِاثْنَيْنِ ادَّعَيَا عَلَيْهِ هِيَ وَدِيعَةٌ عِنْدِي وَلَا أَدْرِي أَهِيَ لَكُمَا أَمْ لِأَحَدِكُمَا أَمْ لِغَيْرِكُمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إنْ ادَّعَيَاهُ وَتُرِكَتْ فِي يَدِهِ لِمَنْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِهَا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا تَحْلِيفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute