إلَى الصَّلَاةِ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ، لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - بِمَا صُورَتُهُ الْفَمُ وَالْأَنْفُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ الظَّاهِرِ أَوْ الْبَاطِنِ، فَإِنْ كَانَا مِنْ الظَّاهِرِ فَلِمَ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلَمْ يُفْطِرْ إذَا ابْتَلَعَ رِيقَهُ مِنْهُمَا؟ وَإِنْ كَانَا مِنْ الْبَاطِنِ فَلِمَ يَجِبُ غَسْلُهُمَا إذَا تَنَجَّسَا، وَيُفْطِرُ الصَّائِمُ إذَا تَقَايَأَ وَوَصَلَ الْقَيْءُ إلَيْهِمَا، وَلَمْ يُجَاوِزْهُمَا ثُمَّ رَجَعَ مِنْهُ شَيْءٌ لِلْجَوْفِ عَمْدًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هُمَا مِنْ الْبَاطِنِ إلَّا فِي مَسَائِلِ النَّجَاسَةِ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ وَالْإِفْطَارِ وَنَحْوِهِمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّجَاسَةَ أَغْلَظُ وَأَفْحَشُ فَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ غَسْلُهَا حَيْثُ سَهُلَ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَحَلٍّ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ الْبَاطِنِ فَجُعِلَ بِالنِّسْبَةِ لَهَا ظَاهِرًا لِسُهُولَةِ ذَلِكَ مَعَ فُحْشِهَا وَغِلَظِهَا.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ الْحَدَثُ الَّذِي يَنْوِي الْمُتَوَضِّئُ رَفْعَهُ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَهَذَا يَرْفَعُهُ التَّيَمُّمُ وَوُضُوءُ الضَّرُورَةِ فَكَيْفَ تَقُولُونَ أَنَّ هَذَيْنِ لَا يَرْفَعَانِ الْحَدَثَ؟
(فَأَجَابَ) الْمُرَادُ بِالْمَنْعِ الَّذِي يَنْوِيه الْمُتَوَضِّئُ السَّلِيمُ مَنْعٌ مُطْلَقٌ مِنْ سَائِرِ الْفُرُوضِ وَالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْحَدَثِ، وَهَذَا لَا يَرْفَعُهُ نَحْوُ التَّيَمُّمِ وَإِنَّمَا يَرْفَعُ مَنْعًا خَاصًّا هُوَ بَعْضُ مَاصَدَقَاتِ الْحَدَثِ فَلَمْ يَحْسُنْ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُمَا يَرْفَعَانِ الْحَدَثَ بَلْ شَيْئًا ماصدقاته فَقَطْ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ وَقَفَ مُتَوَضِّئٌ تَحْتَ مِيزَابٍ وَتَلَقَّى مِنْهُ الْمَاءَ بِكَفَّيْهِ مُجْتَمِعَيْنِ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ اغْتِرَافٍ فَهَلْ يُحْكَمُ عَلَى مَا يَكْفِيه بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ لِرَفْعِ حَدَثِ الْيَدَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ هُنَا وَحِينَئِذٍ فَلَا، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ سَاعِدَيْهِ وَلَا أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَهُمَا بِهِ فَكَأَنَّهُ غَسَلَ كُلًّا بِمَاءِ كَفِّهَا وَمَاءِ كَفِّ الْأُخْرَى، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ سَاعِدِهَا وَإِنْ غَسَلَ بِهِ سَاعِدًا وَاحِدًا فَقَطْ فَقَدْ غَسَلَهَا بِمَائِهَا وَمَاءِ كَفِّ الْأُخْرَى، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ انْغَمَسَ جُنُبَانِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، وَنَوَيَا قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ، أَمَّا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ حَدَثَ الْكَفَّيْنِ، فَلَهُ أَنْ يَغْسِلَ بِهِ سَاعِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَكَالْمِيزَابِ فِيمَا ذُكِرَ مَا لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ مِنْ إبْرِيقٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ قُلْت: هَلْ يُتَصَوَّرُ الِاحْتِيَاجُ إلَى نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ نَحْوِ إبْرِيقٍ؟
قُلْت: إنْ كَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ - احْتَاجَ إلَيْهَا كَمَا تَقَرَّرَ، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ - لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِحُصُولِ سُنَّةِ تَثْلِيثِ الْوَجْهِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ وُجُوبِ نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ بَعْدَ الْغَسْلَةِ الْأُولَى وَإِلَّا ارْتَفَعَ حَدَثُ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِهَا بَعْدَ غَسْلَتِهِ الْأُولَى - ارْتَفَعَ حَدَثُ الْيَدِ فَتَفُوتُ سُنَّةُ التَّثْلِيثِ فِي الْوَجْهِ؛ لِتَعَذُّرِ حُصُولِهِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ حَدَثِ الْكَفِّ، وَكَذَا يُقَالُ بِذَلِكَ لَوْ كَانَ يَغْتَرِفُ مِنْ بَحْرٍ وَعَلَيْهِ فَلْيَغْتَرِفْ بِذَلِكَ وَيُقَالُ لَنَا مُتَوَضِّئٌ مِنْ بَحْرٍ يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ الِاغْتِرَافِ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّا طَالَ مِنْ شَعْرِ مَنَابِتِ الرَّأْسِ الْمُتَّصِلِ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ لِأَجَلِ اسْتِيعَابِ الْوَجْهِ هَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ عَلَى طُولِهِ إذْ كُلُّ شَعْرٍ وَجَبَ غَسْلُ مَنْبَتِهِ وَجَبَ غَسْلُهُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْوَاجِبُ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ بِغَسْلِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: يَجِبُ غَسْلُ شَيْءٍ مِمَّا حَاذَاهُ، فَإِذَا وَصَلَ الْغَسْلُ إلَى أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ مَنَابِتِ جَمِيعِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُتَّصِلِ بِالْوَجْهِ، فَقَدْ تَحَقَّقَ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ بِالْغَسْلِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ مَا طَالَ مِنْهُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مُحْدِثٍ انْغَمَسَ بِنِيَّةِ رَفْعِ حَدَثِهِ هَلْ يَرْتَفِعُ وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ أَوْ كَانَ مَنْكُوسًا؟ وَمَا مَعْنَى قَوْلِ جَامِعُ الْمُخْتَصَرَاتِ: (ثَالِثُهَا وَدُونَهُ وَرَجِّحْ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَاءِ كَثِيرًا؟
(فَأَجَابَهُ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ عَنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ أَوْ كَانَ مَنْكُوسًا أَوْ الْمَاءُ قَلِيلًا كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ، وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِ النَّشَائِيِّ: (ثَالِثُهَا وَدُونَهُ وَرَجِّحْ) أَيْ دُونَ إمْكَانِ حُصُولِ تَرْتِيبِ فِعْلِ الْمُتَوَضِّئِ حُكْمًا إذْ التَّرْتِيبُ قِسْمَانِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: تَرْتِيبٌ حِسِّيٌّ، وَالثَّانِي: تَرْتِيبٌ حُكْمِيٌّ بِأَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ انْغِمَاسِهِ وَنِيَّتِهِ زَمَنًا يُمْكِنُهُ فِيهِ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حِسًّا لَوْ أَرَادَهُ وَالْقِسْمُ الثَّانِي: تَرْتِيبُ انْغِسَالِ الْأَعْضَاءِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى فِعْلِهِ، وَهَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ التَّقْدِيرِيُّ وَتَسْمِيَتُهُ تَرْتِيبًا مَجَازٌ.
وَقَوْلُهُ: (السَّادِسُ التَّرْتِيبُ) مُرَادٌ بِهِ النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: (أَوْ إمْكَانُهُ) مُرَادُهُ بِهِ النَّوْعُ الثَّانِي وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ قَوْلُهُ: (وَدُونَهُ) مُرَادُهُ بِهِ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَإِمْكَانُ حُصُولِ التَّرْتِيبِ غَيْرُ إمْكَانِ تَقْدِيرِهِ.