للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَأَمَّلَ كَلِمَاتِ الْمُؤَلِّفِينَ عَلِمَ ذَلِكَ وَلَمْ يُرَتِّبْ فِيهِ وَتَأَمَّلْ غِشَّهُ لِنَفْسِهِ وَالْمُسْلِمِينَ

فَإِنِّي ذَكَرْت لَهُ فِي الْقُرَّةِ نُصُوصَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ الْمُصَرَّحَةِ بِخِلَافِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ لِقَوْلِ الْجَوَاهِرِ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَاهِبِ إلَّا أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِنُفُوذِ الْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْمُعْتَقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصَّرَائِحِ الْمُنَادِيَةِ عَلَيْهِ بِالْبَوَارِ وَالْخَسَارِ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِحِ الطَّوِيلَةِ فِي أَنَّ الْبُطْلَانَ فِي هِبَةِ الْمَاءِ وَفِي الرِّشْوَةِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَقْوَى لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِحَقِّ اللَّهِ بِخِلَافِ الرِّشْوَةِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ وَاسْتِنْتَاجُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُتَعَلِّقَ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ أَقْوَى. اهـ.

وَهَذَا كُلُّهُ هَذَيَانٌ لَا حَاصِلَ لَهُ لَا سِيَّمَا إذَا نَظَرَ إلَى افْتِرَائِهِ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الرِّشْوَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ وَإِلَى اسْتِنْتَاجِهِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّ الَّذِي مَهَّدَهُ إنَّمَا يُنْتِجُ أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُتَعَلِّقَ أَقْوَى مِمَّا لَمْ يَتَعَلَّق بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ بِوَرَقَاتٍ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَ هِبَةِ الْمَاءِ وَالرِّشْوَةِ مُجَرَّدُ التَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَعَيُّنٍ وَغَيْرِهِ وَوَجْهُ بُطْلَانِ هَذَا الْهَذَيَانِ الْغَنِيِّ عَنْ الْبَيَانِ لَوْلَا مَا مَرَّ مِنْ خَشْيَةِ تَوَهُّمِ الْقَاصِرِينَ أَنَّ الَّذِي حَقَّقْته وَقَرَّرْته فِي الْقُرَّةِ أَنَّا لَا نَنْظُرَ إلَى التَّحْرِيمِ الْمُتَعَلِّقِ بِخُصُوصِ الْآدَمِيِّ أَوْ بِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا نَنْظُرُ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ لَازِمِهَا وَإِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِخَارِجٍ عَنْهُمَا وَمَسْأَلَةُ هِبَةِ الْمَاءِ وَالرِّشْوَةِ مِنْ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ وَمِنْ ثَمَّ بَطَلَ بَيْعُ الْمَاءِ وَلَوْ بِأَضْعَافِ ثَمَنِهِ بِخِلَافِ تَبَرُّعِ مَدِينٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْقَبِيلِ الثَّانِي فَبَطَلَ مَا طَوَّلَهُ وَاسْتَنْتَجَهُ.

ثُمَّ قَوْلُهُ إنَّ التَّحْرِيمَ فِي الرِّشْوَة لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ مُرَادُهُ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِحَقِّ اللَّه أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْآدَمِيِّ وَهَذَا مِمَّا يُعْلِمُك بِجَهْلِهِ وَيُوقِظُك إلَى أَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ جَاهِلٌ بِكَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ بِأَسْرِهَا لَا يَخْلُو كُلٌّ مِنْهَا عَنْ أَنَّ الْمَلْحَظَ فِي تَحْرِيمِهِ إمَّا رِعَايَةُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقِّ الْآدَمِيِّ أَوْ حَقِّهِمَا وَإِمَّا خُلُوُّ حُكْمٍ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَيْسَ بِوَاقِعٍ بَلْ وَلَا مُتَعَقَّلٍ لِأَنَّ شَرْعَ الْحُكْمِ إمَّا لِمُصْلِحَةٍ تَظْهَرُ فِيهِ أَوْ لِلتَّعَبُّدِ وَكِلَاهُمَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ عَامِّيٌّ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَمُقَدِّمَاتُهُ لَمْ تَمُرُّ بِفِكْرِهِ وَلَا اخْتَلَجَتْ فِي سِرِّهِ إذْ زَعْمُهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الرِّشْوَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ نَزْعَةٌ فَلْسَفِيَّةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ الذَّاتِيِّ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ صُرَاحٌ لَكِنَّ مَحَبَّةَ التَّشْنِيعِ بِمَا لَمْ يُعْقَلْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَالْمُبَادَرَةَ إلَى الْمَنْقُولِ بِالْهَوَى فِيمَا لَمْ يَتَأَهَّلْ لِلْوُصُولِ إلَيْهِ يُوجِبَانِ الْوُقُوعَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَرْطَةِ وَزَلَّةِ الْقَدَمِ بِالِارْتِبَاكِ فِي هَذِهِ السَّقْطَةِ.

وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْعَضُدِ رَدًّا عَلَى بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ أَمَّا مَنْ لَا يَأْمَنُ مَعَ الدَّغْدَغَةِ سُوءَ الْعِثَارِ وَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَقُودُ عَصَاهُ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ فَإِذَا سَابَقَ فِي الْمِضْمَارِ الْعِتْقَ الْجِيَادَ وَنَاضَلَ عِنْدَ الرِّهَانِ ذَوِي الْأَيْدِي الشِّدَادِ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ سُخْرِيَةً لِلسَّاخِرِينَ وَضُحْكَةً لِلضَّاحِكِينَ وَدَرِيئَةً لِلطَّاعِنِينَ وَعَرْضًا لِسِهَامِ الرَّاسِفِينَ الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ قَوْلُهُ مُشِيرًا إلَى رَدِّ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْته آنِفًا بَيْنَ هِبَةِ الْمَاءِ وَهِبَةِ الدَّيْنِ وَلَا يَصِحُّ الْفَرْقُ بِتَعَيُّنِ الْمَاءِ دُونَ الْمَالِ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعَيُّنِ فِيهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَكَمَا يَجِبُ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الْمَذْكُورِ يَجِبُ قَضَاءُ الدَّيْنِ فِي الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْأَصْلِ تَعَلُّقُهُ بِالذِّمَّةِ فَهُوَ فِي هَذِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَبِالْعَيْنِ وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ وَبِالْعَيْنِ أَيْضًا وَمَسْأَلَةُ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِعَيْنِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ النَّظَرِ إلَى الذِّمَّةِ. اهـ.

وَهَذَا مِنْهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مَا قَرَّرْته وَلَا حَامَ حَوْلَ حِمَى مَا وَضَّحْته فِي الْقُرَّةِ وَكَرَّرْته وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ التَّعَيُّنَ فِيهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ مُكَابَرَةٌ قَبِيحَةٌ كَيْفَ وَتَعَيُّنُ الْمَاءِ يَمْنَعُ إخْرَاجَهُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى بِالْبَيْعِ بِأَضْعَافِ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ تَعَيُّنِ الْمَالِ لِلَّذِي زَعَمَهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ سَلِمَ لَهُ لَا يَمْنَعُ عَلَى زَعْمِهِ إلَّا مُجَرَّدَ التَّبَرُّعِ لَا غَيْر كَمَا قَرَّرْت ذَلِكَ فِي الْقُرَّةِ فَمَنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْقِ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ ثُمَّ كَابَرَ وَزَعَمَ أَنْ لَا فَرْقَ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْخَيَالِ حَقِيقٌ بِأَنْ يُقَالَ فِيهِ

سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْت مُغَرِّبًا ... شَتَّانَ مَا بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>