تَوَهَّمَ مَا قَالَهُ مِنْ اعْتِرَاضِ جَمْعٍ لِقَطْعِ الرَّوْضَة بِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلًا أَوْ وَجْهًا بِعَدَمِ النُّفُوذِ وَلَوْ قَبْلَ الْحَجْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوْ الْوَجْهَ يُبْطِلُ قَوْلَهُ وَكَبْسهَا فِي مَحَلِّ الِاتِّفَاقِ عَلَى النُّفُوذِ فِي الْجَائِزِ فَقَوْلُهُ الْخِلَافُ فِي النُّفُوذِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحْرِيمِ وَالِاتِّفَاقُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَوَازِ مِنْ السَّفْسَافِ الَّذِي سَوَّلَ لَهُ عَقْلُهُ الْقَاصِرُ أَنَّهُ شَيْءٌ
وَلَيْسَ بِشَيْءٍ عَلَى أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ رَآهُمَا لَا سِيَّمَا النَّوَوِيَّ يَقْطَعَانِ كَثِيرًا بِالْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ إشَارَةً إلَى فَسَادِ مُدْرَكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ شُذُوذِ نَقْلِهِ فَاعْتِرَاضُهُ عَلَى قَطْعِهِمَا هُنَا سَاقِطٌ لِمَا ذَكَرْته الْمَوْضِعُ الثَّالِثَ عَشَرَ ثُمَّ كَرَّرَ مَا مَرَّ مِنْ زَعْمِ مُخَالَفَةِ مَا فِي كِتَابِي الْقُرَّةِ لِمَا فِي شَرْحِي عَلَى الْإِرْشَادِ فَقَالَ إنْ اعْتَمَدَ الْأَوَّلَ كَشَطَ مَا فِي الثَّانِي أَوْ الثَّانِيَ رَجَعَ عَنْ الْأَوَّلَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خُلُوٌّ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ وَمُصْطَلَحَاتِهِمْ وَمِمَّا وَقَعَ لَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ كَيْفَ وَابْنُ الرِّفْعَةِ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ شَيْئًا فِي الْكِفَايَةِ
وَيَرْجِعُ عَنْهُ فِي الْمَطْلَبِ وَيَبْقَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ النَّوَوِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَسَائِرُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَكِنْ مَنْ عَمِيَتْ عَلَيْهِ طُرُقُ الْهُدَى يَقُولُ مَا شَاءَ كَيْف وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ قَصْر بَحْث ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَا تُمْلَكُ حَيْثُ حُرِّمَتْ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ عُقُودِ التَّبَرُّعِ وَفَرَّقْت بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَغَيْرهَا بِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْكَبِيرَ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ اعْتِرَاضَ تَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ أَصْلِهِ فَهُوَ الْجَاهِلُ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ أَحَدُهُمَا قَصْرُ تَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ كَمَا قَصَرَهُ هُوَ عَلَيْهَا وَبَيَانُ سَبَب ذَلِكَ ثَانِيهِمَا مُنَازَعَتُهُ فِي أَصْلِ التَّخْرِيجِ الَّذِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي فِي الْقُرَّةِ الثَّانِي وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُبْطِلُ زَعْمَ هَذَا الْمُفْتِي أَنَّ اعْتِمَادَ الْأَوَّلِ يَسْتَلْزِمُ كَشْطَ الثَّانِي وَاعْتِمَادَ الثَّانِي يَسْتَلْزِمُ الرُّجُوعَ عَنْ الْأَوَّلِ وَلَقَدْ وَقَعَ لِابْنِ الرِّفْعَةِ نَفْسِهِ أَنَّهُ فِي الْغَصْبِ مِنْ الْكِفَايَةِ خَرَّجَ تَخْرِيجًا ثُمَّ رَدَّهُ فِي الْمَطْلَبِ وَأَبْقَى كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَبِفَرْضِ مَا افْتَرَاهُ لَا يَلْزَمُ كَشْطٌ وَلَا رُجُوعٌ الْمَوْضِعُ الرَّابِعَ عَشَرَ ثُمَّ قَالَ رَدُّهُ لِدَعْوَايَ فِي الْقُرَّةِ تَرَادُفُ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ وَالْمُفْلِسَ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ فَعُمُومُ الْمُفْلِسُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَرْجُو الْوَفَاءَ وَقَدْ لَا يَرْجُوهُ وَخُصُوصُهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ مَالِهِ أَقَلَّ مِنْ دَيْنِهِ وَعُمُومُ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِ مَالِهِ مُسَاوِيًا لِدَيْنِهِ أَوْ أَقَلَّ وَخُصُوصُهُ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ رَجَائِهِ. اهـ.
وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنِّي لَمْ أَدَّعِ التَّرَادُفَ بَيْنَ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ وَمُطْلَقِ الْمُفْلِسِ خِلَافًا لِمَا وَهِمَ فِيهِ هَذَا الْمُفْتِي بَلْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْمُفْلِسِ الَّذِي لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ الثَّانِي أَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ الْعُمُومِ مِنْ وَجْهِ أَخْذِهِ مِنْ قَوْلِي فِي الْقُرَّةِ فَإِنْ قُلْتَ لَا أُسَلِّمُ تَرَادُفَهُمَا لِأَنَّ مَنْ لَا يَرْجُو وَفَاءً إلَخْ ثُمَّ رَدَدْته بِمَا إذَا وَقَفْت عَلَيْهِ وَتَأَمَّلْته بَانَ لَك بُطْلَانُ مَا تَلَقَّفَهُ شِرَاء الْمُفْتِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَصِرَ لَهُ بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ وَحَدْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِكَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِ الْأَصْحَابِ وَلَا بِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ وَإِنَّمَا رَأَى شَيْئًا أَشَارَ إلَيْهِ غَيْرُهُ فَتَلَقَّفَهُ وَنَسَبَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخِيط حَوْرَةً عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ سَلَكَ ذَلِكَ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُرَادَ بِمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ بِتَبَرُّعِهِ وَإِنَّمَا فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ فَالْمُفْلِسُ قَدْ يَرْجُو الْوَفَاءَ فَيَجُوزُ تَبَرُّعُهُ فَقَوْلُهُمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَالَهُ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا يَجِبُ تَقْيِيدُ التَّبَرُّعِ بِالْجَائِزِ وَوُجُوب هَذَا التَّقْيِيدِ مِنْ خُرَافَاته السَّابِق رَدُّهَا عَلَيْهِ فِي الْقُرَّةِ وَفِي هَذَا الْكِتَابِ الْمَرَّةَ بَعْد الْمَرَّةِ الْمَوْضِعُ الْخَامِسَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ التَّرَادُفِ بِتَقْيِيدِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْقُرَّةِ بِمَا يَقْضِي لِمَقَالَتِهِ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُدْرِكْ تَحْقِيقَهُ كَيْفَ وَهُوَ يَتَلَقَّفُ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمُرَادَ بِهِ حَتَّى فَتَحْت لَهُ سَبِيلَهُ بِالِاسْتِنْبَاطِ الْوَاضِح مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَاسْتَفَادَهُ ثُمَّ أَظْهَرَ مُكَابَرَةً فِي بَعْضِهِ بِمَا يَقْضِي مِنْهُ الْمُتَأَمِّلُ الْعَجَبَ الْعُجَابَ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ عَلَى مَنْ عَمِيَتْ عَلَيْهِ طُرُقُ الْهُدَى فَسَلَكَ سُنَنَ الضَّلَالِ وَالِاعْتِدَاءِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنِّي لَمَّا اسْتَنْبَطْتُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهَا حَالًّا فِي الْحَالِّ وَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجْلِ فِي الْمُؤَجَّلِ
قَالَ اعْتِرَاضًا عَلَى مِثْلِ هَذَا وَحَيْثُ اشْتَرَطَ الْحُلُولَ فِي الْحَالِّ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ عَلَى مَلِيٍّ بَاذِلٍ حَاضِرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute