نَاجِزًا فِي الْكُلِّ لَا مُتَرَقَّبًا احْتَمَلَ أَنَّهُ يُقَالُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِجَوَازِ السَّفَرِ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّا عَلِمْنَا مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي التَّعْيِيبِ وَإِعْطَاءِ الْبَعْضِ الْمَذْكُورَيْنِ آنِفًا أَنَّهُمْ رَاعَوْا أَخْطَرَ الضَّرَرَيْنِ فَلْيُرَاعَ الْأَخْطَرُ فِي مَسْأَلَتنَا وَإِذَا رُوعِيَ فِيهَا جَازَ السَّفَرُ بِهِ فِي الْبَحْرِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْبَرَّ وَالْبَلَد أَخْطَرُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَوَى خَطَرُ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَجُوزُ الْبَحْر؛ لِأَنَّ إيثَارَهُ عَلَى نَظِيرَيْهِ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لَا سِيَّمَا وَالْأَصْحَابُ أَيْ أَكْثَرُهُمْ مُصَرِّحُونَ بِحُرْمَتِهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَلَامِهِمْ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَوْ عِنْدَ الْقَرِيبِ مِنْ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا ذَلِكَ فَبَقِيَتْ الْحُرْمَة فِيهَا عَلَى أَصْلِهَا هَذَا حَاصِلُ مَا يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيُرَاعِيَ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَة وَيَعْمَلَ بِمَا قُلْنَاهُ فِي كُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا وَكَلَامُ الْفَقِيهِ الْمُجِيبِ مُنَزَّلٌ عَلَى مَا فَصَّلْتُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُنَاقَشَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِالْجَوَازِ وَعِنْدَ كَوْنِ الْبَحْرِ آمِنًا بِالْوُجُوبِ وَاللَّائِقِ بَلْ الصَّوَابُ عَكْسُ ذَلِكَ وَهُوَ الْوُجُوبُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْجَوَازُ عِنْدَ غَيْرِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَفِيهِ مُنَاقَشَةٌ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ آخِرًا فَالْمُسَافَرَةُ بِهِ فِي الْبَحْرِ مَعَ نُدْرَةِ خَوْفِ الْفَوَاتِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَصَرَّحَ هُنَا بِالْجَوَازِ فِي الْحَالَيْنِ مَعَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْوُجُوبِ عِنْدَ عَدَمِهَا وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ تَعْبِيرُهُ هُنَا بِأَوْلَى إذْ كَيْفَ يُتَعَقَّلُ أَنَّهُ عِنْدَ نُدْرَةِ الْفَوَاتِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَكِنْ هَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ حَقِيقَتَهُ وَبِالْوُجُوبِ عِنْدَ عَدَمِهَا حَقِيقَتَهُ أَيْضًا وَلَيْسَ هَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ مُرَادًا لِلْفَقِيهِ وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ عِبَارَتُهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
ثُمَّ رَأَيْت الْكَمَالَ الرَّدَّادَ شَارِحَ الْإِرْشَادِ أَفْتَى بِمَا يُوهِمُ خِلَافَ مَا ذَكَرْته وَذَكَرَهُ بَاقْضَامْ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ نَحْوِ مَا سُئِلَ عَنْهُ بَاقْضَامْ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ الْوَجْهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامِ فِي الْبَحْرِ قَرْض مَالِهِ مِمَّنْ يَجُوزُ إقْرَاضُهُ لِلضَّرُورَةِ وَيُسَافِرُ الْمُقْتَرِضُ فِي الْبَحْرِ إلَى بَلَدِ طِفْل الْأَمِين إذْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَصِيٌّ إذْ ذَاكَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ ثُمَّ نَقَلَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ تُبْضِعُ بِأَمْوَالٍ بَنِي أَخِيهَا مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبَحْرِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ مَنْعِ السَّفَرِ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَاب مَا عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ مَنْعِ السَّفَرِ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ ثُمَّ مَا أَفْتَى بِهِ الْكَمَالُ مِنْ تَعَيُّنِ الْإِقْرَاضِ لَهُ وَجْهٌ إنْ وُجِدَ مَلِيء ثِقَة طَيِّبُ الْمَالِ غَيْرُ مُمَاطِلٍ لَهُ فِي بَلَدِهِ مَالٌ يَفِي بِمَا اقْتَرَضَهُ لَوْ فُرِضَ هَلَاكُهُ مَعَ مَا اقْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ فَإِذَا وُجِدَ هَذَا فَتَعَيُّنُ إقْرَاضِهِ وَجِيهٌ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ مَا قَدَّمْته مِنْ التَّفْصِيلِ وَفِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ نَقْلًا فِيمَا إذَا تَحَقَّقَ أَنَّ الْمَبْذُولَ فِي عَقَارِ الْيَتِيمِ دُونَ الْقِيمَةِ وَلَمْ يَجِدْ رَاغِبًا بِأَكْثَرَ وَدَعَتْ حَاجَةُ الْيَتِيمِ إلَى الْبَيْعِ لِلْأَكْلِ مَثَلًا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْتَرِضْ مِنْهُ عَلَيْهِ قَالَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ إذَا فَرَضَ ذَلِكَ وَحَقَّتْ الْحَاجَةُ الْجَوَازُ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمَدِينِ إذَا طَالَبَ الْغَرِيمَ وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا غَيْرَهُ. اهـ.
وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ فِي تَوَسُّطِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالُهُ مِمَّا يُسْرِعُ فَسَادُهُ كَالرِّيَاحَيْنِ وَالْبُقُولِ وَنَحْوِهَا فَيَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهَا بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيهَا بِهِ لِئَلَّا تَتْلَفَ جُمْلَةً وَرَأْسًا. اهـ.
وَهَذَانِ ظَاهِرَانِ مِمَّا قَدَّمْته مِنْ التَّفْصِيلِ.
(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ سُئِلَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ عَمَّا إذَا كَانَ كِتَابٌ لِجَمَاعَةٍ وَفِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ مُطَالَعَةُ الْكِتَابِ بِإِذْنِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَجُوزُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا نُقِلَ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بِإِذْنِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مُطَالَعَةُ الْكِتَابِ الْمُشْتَرَكِ بِشَرْطِ سَلَامَتِهِ وَالْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرَضَةِ وَالتُّرَابِ وَالْغُبَارِ وَخَوْفِ الْفَسَادِ وَلَا يَجُوزُ لِأَجْنَبِيٍّ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْكِتَابِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
جَوَابُهُ فَهَلْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ بَلْ آخِرَ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ مَا أَجَابَ بِهِ هَذَا الْعَالِمُ صَحِيحٌ مُعْتَمَدٌ أَوْضِحُوا لَنَا الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَزَاكُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَلْفَ خَيْرٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute