للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللُّغَوِيِّ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ فِي رِوَايَةٍ) اهـ.

وَنَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِخَبَرِ «فَلْيَغْسِلْ فَرْجَهُ» مَكَانَ " فَلْيَتَوَضَّأْ " وَنَقَلَ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُضُوءِ الْجُنُبِ لِلْأَكْلِ غَسْلُ يَدَيْهِ لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ غَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ» اهـ. وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ فِي الْكُلِّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْفِيفِ الْحَدَثِ، وَأَنَّ غَسْلَ الْفَرْجِ فِي الْأَوَّلِ وَالْيَدَيْنِ فِي الثَّانِي يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ لَا كَمَالُهَا) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَبِمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ وَأَنَّهُ النِّيَّةُ، وَغَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ التَّرْتِيبِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْوِي بِهِ نِيَّةً مِنْ نِيَّاتِهِ الْمُجْزِئَةِ لَا أَسْبَابَهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ إمَّا لِيُخِفَّ حَدَثَهُ الْأَكْبَرَ فِي صُورَةِ الْجُنُبِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ، وَإِمَّا لِتَحْصُلَ لَهُ حَقِيقَةُ الطَّهَارَةِ، فَيُكَفَّرُ إثْمُهُ فِي نَحْوِ التَّكَلُّمِ بِكَلَامٍ فِيهِ إثْمٌ أَوْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ فِي الصُّوَرِ الَّتِي جَرَى فِيهَا خِلَافٌ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ، أَوْ يَزْدَادُ تَأَهُّلُهُ وَتَعْظِيمُهُ فِي نَحْوِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِ الْأَذَانِ وَالذِّكْرِ بِمَا تَقَرَّرَ هُنَا مِنْ هَذِهِ الْفَوَائِدِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ يَنْوِي بِالْوُضُوءِ نَحْوَ رَفْعِ الْحَدَثِ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ نِيَّته فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ أَسْبَابُهَا إلَّا الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ الْفَرْقَ اسْتِثْنَاءُ هَذَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي أَمْرِهِمَا بِالْغُسْلِ رَفْعُ الْجَنَابَةِ الْمُحْتَمَلَةِ؛ فَلِذَلِكَ طُلِبَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نِيَّةُ رَفْعِهَا، فَكَذَا الْقَصْدُ بِالْوُضُوءِ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ مَا مَرَّ مِنْ تَخْفِيفِ الْحَدَثِ وَمَا بَعْدَهُ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِنِيَّةِ رَفْعِهِ أَوْ نَحْوِهَا فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا وَقَفَ جُنُبٌ عَلَى سَطْحٍ أَطْرَافُ جُذُوعِهِ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَالطَّرَفُ الْآخَرُ عَلَى جِدَارٍ بِجَانِبِهِ أَيَجُوزُ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاقِفًا فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فِيمَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْمَسْجِدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْحُرْمَةِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وَقَفَ بِجَنَاحٍ بِجِدَارِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ كَمَا يَقْتَضِيه كَلَامُ الْمَجْمُوعِ فِي الِاعْتِكَافِ، وَعَلَى مَا لَوْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأُخْرَى خَارِجَهُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا فَإِنَّ الْأَوْجَهَ الْحُرْمَةُ، وَيُجَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَهَاتَيْنِ.

أَمَّا الْجَنَاحُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُ جَمِيعُهُ فِي جِدَارِ الْمَسْجِد، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ شَيْءٌ خَارِجٌ عَنْ الْمَسْجِدِ كَانَ يُعَدُّ مِنْ تَوَابِعِ الْمَسْجِدِ نَظَرًا لِأُصُولِهِ وَلَمْ يُنْظَرْ لِخُرُوجِ هَوَائِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ فَأَعْرَضَ النَّظَرَ عَنْهُ وَنَظَرَ لِلْمَتْبُوعِ فَقَطْ بِخِلَافِ صُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّ أُصُولَ السَّطْحِ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لَيْسَتْ مِنْ تَوَابِعِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا فِيهِ وَبَعْضَهَا فِي غَيْرِهِ فَلَمْ تَكُنْ نِسْبَتُهَا لِلْمَسْجِدِ أَوْلَى مِنْ نِسْبَتِهَا لِغَيْرِهِ بَلْ تَعَارَضَا، وَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ.

وَأَمَّا الْوُقُوفُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا فَلِأَنَّهُ بَاشَرَ بِبَدَنِهِ أَرْضَ الْمَسْجِدِ مَعَ الِاعْتِمَادِ فَكَانَ كَالْوَاقِفِ كُلُّهُ فِيهِ فَحَرُمَ بِخِلَافِ صُورَةِ السُّؤَالِ، فَإِنَّ الْوَاقِفَ عَلَى السَّطْحِ لَمْ يُبَاشِرْ الْمَسْجِدَ، وَلَا مَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْحُرْمَةِ مُقْتَضٍ حَتَّى تُنَاطَ بِهِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ حِينَئِذٍ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ الْجَوَازُ لِمَا عَلِمْته مِمَّا تَقَرَّرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا صُورَتُهُ مَا الْحِكْمَةُ فِي قَوْلِ الْحَاوِي: (مَقْرُونًا فِي الْغُسْلِ هُنَا) ، وَتَأْنِيثُهُ فِي الْوُضُوءِ، وَالْجَمِيعُ صِفَةٌ لِلنِّيَّةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَوْلُ الْحَاوِي مَقْرُونَةٌ فِي الْوُضُوءِ وَمَقْرُونًا فِي الْغُسْلِ نَبَّهَ عَلَى فَائِدَةٍ حَسَنَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْفِعْلَ وَمَا تَفَرَّعَ عَنْهُ فِي الْعَمَلِ كَاسْمِ الْمَفْعُولِ هُنَا إذَا أُسْنِدَ إلَى مُؤَنَّثٍ ظَاهِرٍ مَفْصُولٍ مِنْهُ جَازَ تَأْنِيثُ الْعَامِلِ وَتَذْكِيرُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُؤَنَّثُ حَقِيقِيُّ التَّأْنِيثِ فَمَجَازِيُّهُ أَوْلَى؛ لِجَوَازِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ بِلَا فَصْلٍ أَيْضًا لَكِنْ الْأَوْلَى التَّأْنِيثُ، وَمِنْ ثَمَّ بَدَأَ بِهِ الْحَاوِي فِي الْوُضُوءِ، ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي الْغُسْلِ؛ تَنْبِيهًا عَلَى اللُّغَتَيْنِ، وَأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْأَفْصَحِ أَوْلَى، وَبِمَا تَقَرَّرَ انْدَفَعَ قَوْلُ السَّائِلِ، وَالْجَمِيعُ صِفَةٌ لِلنِّيَّةِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ: صَرَّحَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ مَنِيُّهُ لِقَصَبَةِ ذَكَرِهِ فَرَبَطَهُ بِخِرْقَةٍ صَحَّ غُسْلُهُ هَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ بَلْ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ قَطْعًا لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُسْلِ هُوَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ، وَهَذَا مُخْرِجٌ لِنُزُولِهِ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ وَلَوْ أَحَسَّ مُتَوَضِّئٌ بِبَوْلٍ فِي قَصَبَةِ ذَكَرِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ حِينَئِذٍ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ، وَفِيهِ أَبْلَغُ رَدٍّ أَيْضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>