وَأَنَّهُمَا مَوْضُوعَانِ فِيهِ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ مُسَوِّغٍ لَهُ فَيَبْقَيَانِ عَلَى حَالِهِمَا وَيُمَكَّنُ أَهْلُ الْبَيْتِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا بِالْجُلُوسِ وَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَسَائِرِ وُجُوهِ الِانْتِفَاعَات الَّتِي لَا تَضُرُّ بِالْمَارَّةِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ وَضَعَهُمَا بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَهَلْ إذَا ادَّعَى مُنَازِعٌ أَنَّهُمَا يَضُرَّانِ بِالْمَارَّةِ يُلْتَفَتُ إلَى قَوْله بِدُونِ إثْبَاتِ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ وَهَلْ إذَا كَانَ مَعَهُمَا يُمْكِنُ مُرُورُ الْبَعِيرِ وَعَلَيْهِ الْمَحْمِلُ بِدُونِ مُصَادَمَتِهِ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ يَلْحَقهُ فِي مُرُورِهِ لَكِنَّ مُرُورَهُ بِدُونِهِمَا أَبْعَدُ عَنْ الْمُصَادَمَةِ لِكَوْنِهِ يُمْكِنُهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ كُلّ جَانِبٍ بِلَا مُصَادَمَةٍ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ ضَرَرِ الْمَارَّةِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ أَصْلُ الدَّكَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ وَأَنَّ مَحَلَّهَا مُسْتَحَقٌّ لِأَهْلِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا فِي مَسَائِلَ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا لَوْ وَجَدْنَا جُذُوعًا مَوْضُوعَةً عَلَى جِدَارٍ
وَلَمْ نَعْلَمْ أَصْلَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ فَلَا تُنْقَضُ بَلْ يُقْضَى لِصَاحِبِهَا بِاسْتِحْقَاقِ وَضْعِهَا دَائِمًا حَتَّى لَوْ سَقَطَ الْجِدَار فَأُعِيدَ جَازَ لَهُ وَضْعُهَا عَلَيْهِ قَالَ فِي الرَّوْضَة بِلَا خِلَافٍ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ وَعَلَّلَهُ الْمَحَامِلِيُّ بِأَنَّ الظَّاهِرَ حُصُولُهُ عَلَى الْحَائِطِ بِحَقٍّ وَفِي بَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْكِفَايَةِ لَوْ لَمْ يَدْرَأْ وُضِعَتْ الْجُذُوعُ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِحَقٍّ لَازِمٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَيَجِيءُ مِثْلُهُ فِي الْأَجْنِحَةِ الْمُطِلَّةِ عَلَى مِلْكِ الْجَارِ وَالْقَنَوَاتِ الْمَدْفُونَة تَحْت الْأَمْلَاكِ؛ لِأَنَّ صُوَرَهَا دَالَّةٌ عَلَى وَضْعِهَا بِحَقٍّ وَبِهِ صَرَّحَ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ. اهـ.
قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِجَوَازِ أَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا مُؤَبَّدَةً بِبَيْعٍ وَأَلْحَقْت بِذَلِكَ مَا لَوْ رَأَيْنَا سَاقِيَّةً مُشْتَرَكَةً عَلَى فُوَيْهَةِ بِئْرٍ وَعَلَيْهَا بُسْتَانَانِ وَمَاءُ أَحَدِهِمَا يَمُرُّ عَلَى الْآخَرِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ إجْرَائِهِ فِي أَرْضِهِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ بِحَقٍّ فَلَا يُزَالُ بِغَيْرِ حَقٍّ اهـ وَأَفْتَى وَالِدُهُ فِي مَصَارِفَ عَلَى قَنَاةِ حَمَّام لَا يُعْرَفُ أَصْلُهَا بِأَنَّهُ إنْ عُرِفَ حُدُوثُهَا سُدَّتْ وَإِلَّا بَقِيَتْ وَلَا يُشَارِكُهُ أَصْحَابُهَا فِي نَزْحِ تِلْكَ الْقَنَاةِ حَيْثُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ وَأَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبَارِزِيُّ وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ فِيمَنْ لَهُ دَارٌ يَنْزِلُ إلَيْهَا الضَّوْءُ مِنْ كُوَّةٍ بِجِدَارِ الْغَيْرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِذِي جِدَارِهَا هَدْمُهُ وَلَا سَدُّهَا وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ فُرُوقِ الْجُوَيْنِيِّ وَالتَّوَقُّفُ فِيهِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الضَّوْء لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فَتْحُ هَذِهِ بِحَقٍّ لَازِمٍ رَدَّهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ اشْتَرَى مِنْهُ بَعْضَ الْحَائِطِ وَفَتَحَهُ طَاقَةً.
وَأَفْتَى التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ لَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ قَنَاةٌ أَوْ جُذُوعٌ ادَّعَى تَعَدِّيهِ بِهَا بِأَنَّهَا لَا تُزَالُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِأَنَّهَا وُضِعَتْ تَعَدِّيًا إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَصْلُهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِحَقٍّ وَأَنَّ مَحِلَّهَا مُسْتَحَقٌّ لِأَهْلِهَا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الشَّارِعِ قُلْت تَصَوُّرُهُ فِيهِ أَقْرَبُ مِنْ تَصْوِيرِ مَسْأَلَةِ الْكُوَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ فِيهَا فِي غَايَةِ النُّدُورِ وَمَعَ ذَلِكَ رَاعَوْهُ وَقَضَوْا بِاحْتِرَامِهَا لِأَجْلِهِ بَلْ وَقَدَّمُوهُ عَلَى يَدِ مَالِك الْجِدَارِ حَتَّى مَنَعُوهُ مِنْ هَدْمِهِ وَسَدِّهَا فَإِذَا قَالُوا بِذَلِكَ فِي هَذَا النَّادِرِ فَقَوْلُهُمْ بِهِ فِي مَسْأَلَتنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَصْوِيرَ الْوَضْعِ فِيهَا بِحَقٍّ أَظْهَرُ وَأَشْهُرُ بِأَنْ تَكُونَ الْبُقْعَةُ مُسَبَّلَةٌ إلَّا مَحَلَّ تِلْكَ الدَّكَّةِ أَوْ بِأَنْ يَخُصَّ الْإِمَامُ أَهْلَهَا بِمَحَلِّهَا إذَا رَآهُ أَوْ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْلِ الدَّارِ فَأَخْرَجَهَا أَهْلُهَا مِنْهَا لِيَنْتَفِعُوا بِهَا فَهَذِهِ كُلُّهَا صُوَرٌ قَرِيبَةٌ لَا نُدْرَةَ فِيهَا فَرِعَايَتُهَا فِي الِاحْتِرَامِ وَالدَّلَالَة عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ الْمُؤَبَّدِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ الْأَئِمَّةِ لِمَا قَدَّمْته عَنْهُمْ فَظَهَرَ مَا قُلْنَاهُ.
وَاتَّضَحَ مَا حَرَّرْنَاهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِهَذِهِ الدَّكَّةِ بِهَدْمٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا وُضِعَتْ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي وَالظُّلْمِ وَلَا يَكْفِي شَهَادَتُهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَسْتَلْزِمُهُ بَلْ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا مِنْ الشَّارِعِ وَبَيِّنَةٌ بِخِلَافِهَا تَأْتِي فِيهَا نَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاح وَتَبِعُوهُ بَلْ جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ عَزْوِهِ إلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ شَخْصٌ بَيِّنَةً أَنَّ هَذَا طَرِيقٌ يَخْتَصُّ بِهِ وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ طَرِيقٌ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ لِلْأَوَّلِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ لِسُلُوكِهِمْ لَهُ عَلَى الْعُمُومِ مُدَّةً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الثَّانِي فَإِذَا كَانَتْ الْيَدُ لِأَهْلِ الدَّكَّةِ كَمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُمْ أَنَّهُمْ يَخْتَصُّونَ بِهَا وَذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَيْضًا أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُتَصَرِّفِ رَاجِحٌ مُثْبِتٌ لِدَوَامِ شَجَرِ ذِي التَّصَرُّفِ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ فَإِذَا أَثْبَتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute