إلَى ضَمَانِ أَرْشِ ذَلِكَ الْعَيْبِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا قُلْته أَوَّلًا تَخْرِيجًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَلَى أَحَدِ ذَيْنك الْوَجْهَيْنِ الَّذِي هُوَ أَوْلَاهُمَا بِالِاعْتِمَادِ لِتَأَخُّرِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ الْمُصَحِّحِ لِمُقَابِلِهِ وَاطِّلَاعِهِمَا عَلَى تَصْحِيحِهِ مَعَ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ الطَّبَرِيَّ لَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ الْوَجْهِ الْمُقَابِلِ الْقَائِلِ بِالصِّحَّةِ حَيْثُ جَزَمَ بِعَدَمِهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْقَائِلِينَ بِهَا وَقَدْ سَبَقَ الْقَمُولِيَّ إلَى حِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي عَيْنِ صُورَةِ السُّؤَالِ شَيْخُهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَنُقِلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيهَا الصِّحَّةَ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ عَلَى الضَّامِنِ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ وَجْهًا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الضَّمَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَصِحُّ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ. اهـ.
فَأَشْعَرَ قَوْلُهُ أَعْنِي ابْنَ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ حَكَى عَدَمَ الصِّحَّةِ وَقَوْلُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ بِأَنَّ مَقَالَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجْهٌ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ صِحَّةِ ضَمَانِ أَرْشِ الْعَيْبِ وَهُوَ مَا قَدَّمْته وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ مَظْلُومٍ أَذِنَ لِآخَرِ فِي دَفْعِ مَظْلِمَةٍ عَنْهُ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْأَسِيرِ إذَا قَالَ لِآخَرَ افْدِنِي بِكَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الرُّجُوعَ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ مَنْ ضَمِنَ لِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَضَمِنَ لَهُ الْأَلْفَ شَخْصَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا فَهَلْ يَصِحُّ الضَّمَان وَيَقَع الطَّلَاق بَائِنًا أَمْ لَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَضَمِنَ لَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو الْأَلْفَ مَعًا فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ بَائِنًا وَلَهُ مُطَالَبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْأَلْفِ أَوْ لَا يُطَالِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ هُنَا حَيْثُ أُطْلِقَ الِالْتِزَامُ فَمَتَى الْتَزَمَ لَهُ بِالْأَلْفِ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَإِنْ الْتَزَمَ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِالْأَلْفِ مَعًا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي مُطَالَبَةِ أَيٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ بِهِ أَوْ مُرَتَّبًا وَقَعَ بِالْأَوَّلِ فَيُطَالَبُ بِالْأَلْفِ وَحْدَهُ فَإِنْ الْتَزَمَ كُلٌّ بِبَعْضِ الْأَلْفِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عِنْدَ تَمَامِ الْتِزَامِ الْأَلْف.
وَيُطَالَبُ كُلٌّ بِمَا الْتَزَمَهُ إلَّا الْأَخِيرَ فَإِنَّهُ إذَا الْتَزَمَ مَا يُوَفِّي الْأَلْفَ وَزِيَادَةً لَا يُطَالَبُ إلَّا بِتَتِمَّةِ الْأَلْفِ لَا غَيْرُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظ مَنْ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ وَالزَّائِدَ عَلَيْهِ وَلَفْظُ الضَّمَانِ الْمُرَادُ بِهِ الِالْتِزَامُ أَوْ الْمُنْصَرِفُ إلَيْهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَحَيْثُ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي مُقَابَلَة مَالٍ رَاجِعٍ إلَى الزَّوْجِ فَهُوَ بَائِنٌ وَلَفْظُ الْأَلْفِ مَعَ رِعَايَةِ مَنْ يَشْمَلُ وُجُودَ الْتِزَامِهِ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا تَقَرَّرَ كَمَا أَنَّهُ أَرَادَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ التَّلَفُّظ بِالضَّمَانِ لَا الْتِزَامَهُ فَتَلَفَّظَ بِهِ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَيْضًا لَكِنَّهُ رَجْعِيٌّ لَا بَائِن.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا صَرَّحَ الْمَالِكُ بِإِبْرَاءِ الْغَاصِبِ عَنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ وَالْمَغْصُوبُ بَاقٍ فِي يَده صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَبْرَأُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا صَارَتْ الْوَدِيعَة مَضْمُونَة عَلَى الْمُودَع فَأَبْرَأَهُ الْمَالِكُ وَصَحَّحَ أَنَّهُ يَعُودُ أَمِينًا فَهَلْ ذَلِكَ تَنَاقُضٌ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَوْ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ وَمَا الرَّاجِح فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَقَوْلُ السَّائِلُ إنَّ النَّوَوِيَّ صَحَّحَ أَنَّهُ يَبْرَأُ لَيْسَ بِصَحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ نَفْسه.
وَإِنَّمَا الَّذِي وَقَعَ لَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَة أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ تَصْحِيحَ الرَّافِعِيِّ عَدَمَ الْبَرَاءَةِ زَادَ أَنَّ غَيْرَ الرَّافِعِيِّ كَالْبَغَوِيِّ صَحَّحَ الْبَرَاءَةَ وَهِيَ ظَاهِرُ النَّصِّ فِي الشَّامِلِ وَالْمُهَذَّبِ أَيْ وَصَرَّحَ بِهَا الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ الْمُعْتَمَدُ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ مُخْتَصِرُو الرَّوْضَة وَالْمُتَكَلِّمُونَ عَلَيْهَا وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إلَى وَجْهِ ضَعْفِ مَا فِيهَا وَهُوَ أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْبَرَاءَةِ إنَّمَا هُوَ وَجْهٌ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ عَمَّا لَمْ يَجِبْ وَوَجَدَ سَبَبَ وُجُوبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فَكَذَا هُنَا وَيُفَرَّق بَيْنَ هَذَا وَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّهَا إذَا صَارَتْ مَضْمُونَةً بِانْتِفَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَحْدَث لَهُ الْمَالِكُ اسْتِئْمَانًا أَوْ إبْرَاءً أَوْ إيدَاعًا أَوْ إذْنًا فِي حِفْظِهَا فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِأَنَّ الْإِيدَاعَ لَا يُجَامِعُ الضَّمَانَ لِتَأَصُّلِ الْأَمَانَةِ فِيهِ فَبِالْخِيَانَةِ فِيهَا صَارَتْ غَيْرَ وَدِيعَةٍ وَمِنْ ثَمَّ لَزِمَهُ رَدّهَا فَوْرًا فَإِذَا أَحْدَثَ لَهُ الْمَالِكُ مَا ذُكِرَ صَارَ ذَلِكَ اسْتِيدَاعًا جَدِيدًا وَيَلْزَمُهُ ارْتِفَاعُ حُكْمِ الْأَوَّلِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الضَّمَانِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يُجَامِعُ الْإِيدَاعَ أَصْلًا وَأَمَّا الْغَصْبُ فَهُوَ بَاقٍ لَا يَرْتَفِعُ بِالْإِبْرَاءِ وَإِنَّمَا الْمُرْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ