فِيهِ حَقًّا حَالَ الْإِقْرَارِ مَثَلًا ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا هَلْ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ وَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إذَا عَلِمَ بِهِ أَمْ لَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْإِقْرَارِ الْمُخَالِفِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الشَّرْعُ فَإِنْ كَانَ لَهُ احْتِمَالٌ مَا أَخَذْنَا الْمُقَرَّ بِهِ وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ.
وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَيْ: وَإِنْ خَالَفَ إقْرَارُهُ شَرْطَ الْوَاقِفِ وَقَدْ نَقَلَ الْغَزِّيُّ وَغَيْرُهُ هَذَيْنِ الْإِفْتَاءَيْنِ وَلَمْ يُرَجِّحُوا مِنْهُمَا شَيْئًا وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ تَرْجِيحُهُ هُوَ الثَّانِي وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ لَوْ وَقَفَ دَارًا، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِشَخْصٍ وَصَدَّقَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَبْطُلْ الْوَقْفُ بَلْ يَسْقُطُ حَقُّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْغَلَّةِ وَيُصْرَفُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَأَفْهَمَ إطْلَاقَهُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ حَقِّهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ سَوَاءٌ أَخَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ وَكَانَ لَهُ احْتِمَالٌ مَا أَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ احْتِمَالٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ احْتِمَالٌ ظَاهِرًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ احْتِمَالٌ بَاطِنًا وَالْمُقِرُّ أَعْرَفُ بِنَفْسِهِ فَآخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ الشَّرْعُ حِينَئِذٍ مُكَذِّبًا لِلْإِقْرَارِ خِلَافًا لِمَا ادَّعَاهُ السُّبْكِيّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ حَيْثُ رَاعَى مَا قُلْنَاهُ لَمْ يَكُنْ مُكَذِّبًا لِلْإِقْرَارِ فَانْدَفَعَ تَعْلِيلُ السُّبْكِيّ بِذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ إنْ أَقَرَّ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ وَقْفٌ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَعُذِرَ بِجَهْلِهِ لَغَا إقْرَارُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ بَاعَ دَارَ أَبِيهِ فَادَّعَى عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ وَقَفَهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بَطَلَ الْبَيْعُ فَلَوْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً بِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِأَبِيهِ حِينَ بَاعَهَا وَثَمَّ أَطْفَالٌ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ سُمِعَتْ وَبَطَلَتْ دَعْوَى الْوَقْفِيَّةِ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ الْأَطْفَالِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نَصِيبَ أَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِإِقْرَارِهِ عَنْ كَوْنِهِ قَيِّمًا لَهُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يُنَصِّبَ الْمُقِرُّ مُدَّعِيًا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ الْبَغَوِيّ كَمَا قَالَ الْعَبَّادِيُّ وَلَوْ ادَّعَى الْمُقِرُّ جَهْلَهُ بِالْوَقْفِ حَالَ الْإِقْرَارِ صَدَقَ بِيَمِينِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَيَجِبُ الْجَزْمُ بِهِ إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى صِدْقِهِ بِأَنْ كَانَ طِفْلًا وَقْتَ الْوَقْفِ. اهـ.
فَكَلَامُ الْعَبَّادِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ إلْغَاءِ إقْرَارِهِ إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى صِدْقِهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمَا ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ لِعُذْرِهِ فَالْحَاصِلُ نُفُوذُ الْإِقْرَارِ مِنْ الْعَالِمِ مُطْلَقًا لَا مِنْ الْجَاهِلِ سِيَّمَا إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى صِدْقِهِ اهـ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ادَّعَى وَارِثٌ عَلَى وَرَثَةٍ أَنَّ أَبَاكُمْ أَقَرَّ لِي بِأَرْضِ كَذَا الَّتِي تَحْتَ أَيْدِيهمْ فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ عُلَمَاءُ زُبَيْدٍ كَيُوسُفَ الْمُقْرِي وَأَهْلِ عَصْرِهِ وَالْوَجْهُ سَمَاعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ بِالْإِقْرَارِ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُمْ أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ لِبُطْلَانِ يَدِ مُورَثِهِمْ الَّذِي تَلَقَّوْا عَنْهُ بِإِقْرَارِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) فِي شَخْصٍ قَالَ لَيْسَ لِي عِنْدَ أَوْ مَعَ فُلَانٍ شَيْءٌ هَلْ يَشْمَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ؟
(فَأَجَابَ) الَّذِي قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي لَيْسَ لِي عَلَى فُلَانٍ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِي امْرَأَةٍ أَعَارَتْ بِنْتَهَا مَصَاغًا وَحُلِيًّا وَفُرُشًا وَأَوَانِيَ وَغَيْرَهَا وَأَقَرَّتْ الْبِنْتُ أَنَّ جَمِيعَ مَا بِيَدِهَا مِنْ حُلِيٍّ وَمَصَاغٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَدَّدَتْ أَنْوَاعَ ذَلِكَ مِلْكٌ لِأُمِّهَا وَأَنَّهُ فِي يَدِهَا عَارِيَّةٌ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ وَلَا شَيْءَ مِنْ مَنَافِعِهِ سِوَى بُشْخَانَةٍ وَجَارِيَةٍ اسْمُهَا كَذَا وَلَمْ يَزَلْ جَمِيعُ ذَلِكَ بِيَدِهَا إلَى أَنْ مَاتَتْ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَمِيعِهِ وَادَّعَى أَنَّهَا زُفَّتْ بِهِ إلَيْهِ وَأَنَّ إقْرَارَهَا لَمْ يَكُنْ إلَّا وَهِيَ فِي عِصْمَةِ زَوْجٍ غَيْرِهِ وَأَنَّ عَلَى وَالِدَتِهَا إثْبَاتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ مِلْكٌ لَهَا وَأَنَّهَا اسْتَجَدَّتْ أَمْتِعَةً وَمَصَاغًا بَعْدَ إقْرَارِهَا فَهَلْ تُسْمَعُ دَعَاوِيهِ هَذِهِ جَمِيعُهَا أَوْ بَعْضُهَا وَهَلْ الْمُصَدَّقُ هُوَ أَوْ أُمُّهَا فِي جَمِيعِهَا وَبَعْضِهَا.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ لِأُمِّهَا بِمَا ذُكِرَ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ حَالَ الزِّفَافِ أَمْ بَعْدَهُ أَمْ قَبْلَهُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ بَالِغَةً عَاقِلَةً مُخْتَارَةً رَشِيدَةً وَدَعْوَى الزَّوْجِ الثَّانِي أَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يَقَعْ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ وَقَعَ مِنْهَا وَهِيَ فِي عِصْمَةِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا طَلَبُهُ مِنْ الْأُمِّ أَنَّهَا تُثْبِتُ أَنَّ الْأَعْيَانَ الَّتِي مَاتَتْ عَنْهَا هِيَ الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْإِقْرَارِ فَهُوَ صَحِيحٌ فَعَلَيْهَا إثْبَاتُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تُثْبِتْهُ وَاخْتَلَفَا فِي الْأَعْيَانِ الَّتِي مَاتَتْ عَنْهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا هَلْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ