للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَخِيرَةِ فَلَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ، بَلْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ الْعِشْرِينَ الطُّهْرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ رُدَّتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَخِيرُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا انْقِطَاعًا بِأَقَلَّ، فَقِيَاسُ سِيَاقِ كَلَامِهِ أَنْ يَقُولَ أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحَاضَتْ خَمْسَتَهَا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسًا ثُمَّ انْقَطَعَ وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْهُ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَلَى مَا صَوَّرْتُهُ، وَهَذَا عِنْدِي لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ حَيْثُ النَّظَرِ.

وَأَظُنُّ هَذَا الِاخْتِلَافَ شَبِيهٌ بِمَا فَهِمَهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ مِنْ الرَّوْضَةِ فِيمَنْ صَلَّى بِصَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى مُرْتَفَعٍ، وَهُوَ لَا يُحَاذِيه بِجُزْءٍ مِنْهُ حَيْثُ وَقَعَ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي اشْتِرَاطِ قُوَّةِ الِاتِّصَالِ وَالْقُرْبِ وَهِيَ مُرَجَّحَةٌ عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَبِمَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ النَّصِّ وَالْجُمْهُورِ فِيمَنْ قَالَ: إنْ كَانَ فَعَلْت كَذَا فَمَا لِي صَدَقَةٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إنْ كَانَ فَعَلَهُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّ مَالِهِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِمَا يُسَمَّى فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ، وَلَكِنَّهُ مَرْجُوحٌ وَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ نَذْرِ اللَّجَاجِ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُؤْخَذُ مِنْ طَيِّ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَتَبِعَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْ لَعَلَّ مَا ظَنَنَّاهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الْعَزِيزِ الَّتِي اخْتَصَرَ مِنْهَا الرَّوْضَةَ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهَا سَقِيمَةٌ وَتَبِعَهُ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ لِلسَّقْطِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقَدْ أَثْبَتَهُ فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ كَمَا ذَكَرُوا أَنَّ الرَّافِعِيَّ فِي الْعَزِيزِ نَقَلَ عَنْ الْجَدِيدِ أَنَّ مَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ لَا يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُسَمِّيَ مَهْرًا وَرُوِيَ عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ وَعَكْسُهُ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ؟

(يُسَنُّ فِي الْجَدِيدِ دُونَ الْقَدِيمِ قَالُوا، وَسَبَبُهُ سِقَمُ نُسْخَتِهِ مِنْ الْعَزِيزِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ النَّشَائِيُّ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ مَنْ خَلْفَهُ وَأَشْيَاءُ غَيْرُ ذَلِكَ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلْنُبَيِّنْ مَا بَنَيْت عَلَيْهِ الْوُجُوهَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِتَعْرِفَ صِحَّةَ مَا قَرَّرْنَاهُ، فَفِي الْأُولَى وَهِيَ مَنْ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسًا ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ رَأَتْهُ وَاسْتُحِيضَتْ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَجْهُ الْأَصَحِّ ثُبُوتُ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَأَنَّ مَنْ اخْتَلَفَتْ أَدْوَارُهَا تَأْخُذُ بِالْأَخِيرِ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَحِيضَ خَمْسَةً أَوَّلَهُ لِتَكَرُّرِهَا ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ كَعَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ إذْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الطُّهْرُ الْأَخِيرُ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ تَكَرُّرِهَا، وَوَجْهُ الثَّالِثِ تَحِيضُ عَشَرَةً اعْتِبَارًا بِأَوَّلِ الدَّمِ فِي خَمْسٍ وَمُحَافَظَةً عَلَى وَقْتِ الْأُولَى لِتَكَرُّرِهَا مِرَارًا.

وَوَجْهُ الرَّابِعِ أَنَّ حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَمَا قَبْلَهُ اسْتِحَاضَةٌ مُرَاعَاةً لِتَكَرُّرِ الْعَادَةِ فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ مِرَارًا فَتَرْجِعُ لِلْقَدِيمَةِ، وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِنَاءً عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ فِيمَنْ لَهَا خَمْسٌ حَيْضٌ أَوَّلَ الشَّهْرِ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ ثُمَّ رَأَتْ فِي شَهْرٍ بَعْدَ حَيْضِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسًا ثُمَّ طَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْهُ، وَجْهُ الْأَصَحِّ أَنَّ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ دَمِهَا اسْتِحَاضَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسٌ حَيْضٌ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ ثُبُوتُ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ فِيهِمَا، وَاعْتِمَادُ الْأَخِيرَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَوَجْهُ الثَّالِثِ أَنْ تَحِيضَ خَمْسَةً كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ تَكَرَّرَ بِهَا وَتَطْهُرُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ كَعَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ إذَا لَمْ تَرَهُ زَمَنَ الصِّحَّةِ إلَّا مَرَّةً بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِهَا، وَهُوَ كَالثَّانِي فِي الْأُولَى، وَوَجْهُ الثَّانِي هُنَا أَنَّهَا تَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَشَرًا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ مُرَاعَاةً لِأَوَّلِيَّتِهِ، وَخَمْسًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ مُرَاعَاةً لِوَقْتِ عَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ لِتَكَرُّرِهَا فِيهِ وَهُوَ عَلَى نَمَطِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ فِي الْأُولَى، وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ هُنَا يُرَاعِي الْعَادَةَ الْقَدِيمَةَ فِي وَقْتِهَا حَيْضًا وَطُهْرًا لِتَكَرُّرِهَا مِرَارًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَقُولُ: وَهَذَا مِمَّا مَنَّ اللَّهُ بِهِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي حَلِّ إشْكَالِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ وَالْفِكْرِ فِيهَا مَعَ عَدَمِ مَنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ ذَلِكَ بِمَدَدٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بَعْد اللَّجْءِ إلَيْهِ فِيهِ فَأَلْهَمَنِي فَهْمَ مَا سَقَطَ مِنْ تَصْوِيرِهَا فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَمَا سَبَقَ، وَبِذَلِكَ أَيْ - رُدَّ السَّاقِطُ فِي مَحَلِّهِ - يَنْتَظِمُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي فَضْلٍ؟

(وَلَمْ أَرَ مَنْ تَنَبَّهَ لِهَذَا الْإِشْكَالِ إلَّا زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَلَمْ يَحُلَّهُ) اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَادَةَ إذَا عَرَفَتْ عَادَةً ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا مَا يُوجِبُ التَّمْيِيزَ عَمِلَتْ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ كَانَتْ تَحِيضُ أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسًا لَوْ رَأَتْ قَبْلَ خَمْسِهَا خَمْسًا دَمًا أَقْوَى مِنْ دَمِ خَمْسِهَا، فَحَيْضُهَا الْقَوِيُّ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَيَصِيرُ دَوْرُهَا خَمْسًا

<<  <  ج: ص:  >  >>