للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّسَاءَ فِي مُدَّةِ حَمْلِهِنَّ لَا يَحِضْنَ فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ خَمْسٌ، وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ مَثَلًا ثُمَّ حَمَلَتْ فَاسْتَمَرَّ بِهَا الطُّهْرُ لِأَجْلِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مُدَّةَ الْحَمْلِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَنَفِسَتْ وَجَاوَزَ دَمُهَا السِّتِّينَ فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهَا بَعْدَ مَرَدِّ النِّفَاسِ تَطْهُرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا إذْ هِيَ أَقْرَبُ أَطْهَارِهَا ثُمَّ تَحِيضُ قَدْرَ عَادَةِ الْحَيْضِ وَهُوَ كَالْمُسْتَبْعَدِ فِي الذِّهْنِ، وَيُتَخَيَّلُ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى طُهْرِهَا الْغَالِبِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَمَا قَبْلَهُ إنْ كَانَ وَفَّى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهُوَ فِيهَا عِشْرُونَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ انْقِطَاعُ الدَّمِ لِلْحَمْلِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، لَكِنْ الْجَارِي عَلَى الْقَاعِدَةِ هُوَ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ لَمْ يَرِدْ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ كَمَا مَرَّ أَنَّ مَنْ ابْتَدَأَهَا دَمٌ قَوِيٌّ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بَعْدَهُ ضَعِيفٌ سِتَّةً أَوْ أَكْثَرُ لَمْ يَجْعَلُوا لَهَا حَيْضًا إلَّا الْأَوَّلَ الْقَوِيَّ قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ كَالْمُسْتَبْعَدِ، وَلَكِنَّهُ الْقِيَاسُ، وَبِهِ أَخَذَ الْأَئِمَّةُ ثُمَّ لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٍ وَطَهُرَتْ كَذَلِكَ ثَبَتَ لَهَا بِذَلِكَ عَادَةً فَلَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَانْقَطَعَ الدَّمُ لِلْحَمْلِ كَالْأَوَّلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُهُ لَهُ عَادَةً يَزِيدُ الطُّهْرَ بِهَا حَالَ الْحَمْلِ لَا غَيْرُ بِنَاءً عَلَى الْأَخْذِ بِالْعَادَةِ الْمُخْتَلِفَةِ إذَا انْتَظَمَتْ وَتَكَرَّرَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الرَّابِعَةُ: الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ بِأَنْ تَرَى الدَّمَ بِصِفَةِ الْمُبْتَدِئَةِ الْمُمَيِّزَةِ وَعَادَتُهَا تُخَالِفُ التَّمْيِيزَ، كَأَنْ كَانَتْ تَرَى النِّفَاسَ عَادَةً أَرْبَعِينَ فَرَأَتْ فِي دَوْرٍ أَوَّلَهُ عِشْرِينَ أَسْوَدَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ أَحْمَرَ وَجَاوَزَ السِّتِّينَ فَهَلْ تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ وَهِيَ أَرْبَعُونَ أَوْ إلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ الْعِشْرُونَ الْأَسْوَدُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْحَيْضِ: الْأَصَحُّ الرَّدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثِينَ مُتَّصِلَةً بِالْوِلَادَةِ فَرَأَتْ بَعْدَ وِلَادَةٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ، ثُمَّ اتَّصَلَ أَسْوَدُ وَانْقَطَعَ لِدُونِ السِّتِّينَ ثُمَّ احْمَرَّ وَجَاوَزَهَا، فَالْأَصَحُّ أَنَّ نِفَاسَهَا مُدَّةَ الْأَسْوَدِ وَمَا قَبْلَهُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ طُهْرٌ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُبْتَدِئَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. مَا أَرَدْنَا ذِكْرَهُ مُلْتَقَطًا مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُفَرَّقًا بِالْمَعْنَى وَمِنْ غَيْرِهِ كَمَا يُعْرَفُ مِنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُذَاكَرَ بِهِ مَنْ عِنْدَهُ تَأَهُّلٌ لِلْعِلْمِ وَالنَّظَرِ فِيهِ لِيُبَيِّنَ مُشْكِلَهُ وَيُصْلِحَ خَطَأَهُ إنْ كَانَ مَأْجُورًا عَلَى ذَلِكَ مَنْ عَرَضَهُ وَمَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ لِلصَّوَابِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِرِضَاهُ آمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَبَدًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هَذَا تَمَامُ مُؤَلَّفِ الْإِمَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَكَمِ بْنِ أَبِي قُشَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ.

وَهَاكَ مَا كَتَبَهُ عَلَيْهِ شَيْخُنَا مُفَرِّغًا لَهُ الذِّهْنَ مُعْتَنِيًا بِتَفَهُّمِهِ وَالْإِحَاطَةِ بِمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِيهِ مِمَّا لَمْ نَجِدْهُ إلَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَشَرْحَيْ الْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ لَهُ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَبِهِمَا - آمِينَ قَالَ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَنِي وَالْمُسْلِمِينَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ -: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى مَزِيدِ إنْعَامِهِ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَزَايَا إلْهَامِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَتَبَوَّأُ بِهَا مَقَاعِدَ الصِّدْقِ فِي دَارِ إكْرَامِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَبَانَ لِوَارِثِيهِ عَنْ قَوَاعِدِ الْحَقِّ وَأَحْكَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي تَقْرِيرِ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِهِ آمِينَ (أَمَّا بَعْدُ) .

فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَيَّ أَوَاخِرَ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ كِتَابٌ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ لَخَصَّهُ مُؤَلِّفُهُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْوَرِعُ الصَّالِحُ الْفَهَّامَةُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي قُشَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَمَدَدِهِ - مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ مَعَ ضَمَّ إشْكَالَاتٍ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ إلَيَّ طَالِبًا مِنِّي النَّظَرَ فِيهِ بِتَتْمِيمِ نَاقِصِهِ وَحَلِّ مُشْكِلِهِ وَإِصْلَاحِ مَا يَنْبَغِي إصْلَاحُهُ فَأَجَبْته إلَى ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى مُشْكِلَاتِ مَسَائِلِهِ وَبَيَانِ مَا فِيهَا مَعَ تَقْرِيرِ وَجْهِ الصَّوَابِ بِدَلَائِلِهِ رَاجِيًا دُعَاءَهُ الصَّالِحَ وَنَفْعَ الْمُسْلِمِينَ وَمُؤَمِّلًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْفَعُنِي بِذَلِكَ إنَّهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

وَلْنُقَدِّمْ عَلَى الْكَلَامِ عَلَيْهِ مُقَدِّمَةً نَافِعَةً قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا حَاصِلُهُ: اعْلَمْ أَنَّ بَابَ الْحَيْضِ مِنْ عَوِيصِ الْأَبْوَابِ، وَمِمَّا غَلِطَ فِيهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْكُتَّابِ لِدِقَّةِ مَسَائِلِهِ وَاعْتَنَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّصْنِيفِ فِي كُتُبٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَأَفْرَدَ أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ مَسْأَلَةَ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَأَتَى فِيهِ بِنَفَائِسَ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا، وَحَقَّقَ أَشْيَاءَ مُهِمَّةً مِنْ أَحْكَامِهَا، وَجَمَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>