للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويجوزُ أن تقطَعَ عَنِ الإضافَةِ، فيجوزُ في غيرِ القُرآن: مودَّةً بينكم، ويجوز: مودَّةَ بينِكم، وهي هنا على هذا الوجه.

وقوله: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} متعلِّقَةٌ بما قَبلَها، يعني أنها موَدَّةٌ في الحياة الدنيا فقط، فهؤلاءِ المشْرِكون يتوادُّونَ في الشِّرك في الدنيا فقط، فتَجِدُهم متَناصِرِين متَعاويينَ؛ لكن: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} ومعنى قولِهِ: {يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ}: يعْنِي: يُنْكِرُهُ، كقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة: ١٦٦]، وهذا لا شَكَّ أنه إنكارٌ وكُفْرٌ لبَعضِهِمْ ببَعْضٍ.

{وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}، كقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: ٦٧ - ٦٨]، ومجادَلَةُ الأتْباعِ للمَتْبوعِينِ في عِدَّةِ آياتٍ مِن القرآنِ، كما في قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}، وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا}، وقوله: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} وما أَشْبَهَ ذلِكَ.

والحاصل: أن هذه الموَدَّة بينَ المُشْركينَ في الدُّنْيا فقط، أما يوم القيامة فإن كُلَّ واحدٍ منهُمْ يَتبَرَّأُ مِنَ الآخر ويُنكِرُه ويَلْعنُه أيضًا، وهذا لا شك أنه من أشَدِّ ما يكونُ مِنَ العُقوباتِ، لكنَّ المتَّقِينَ خُلَتُّهم باقيةٌ إلى يومِ القيامَةِ، قال عَزَّ وَجَلَّ: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: ٦٧]، وأما هؤلاءِ فإن المودَّةَ فيما بينهم تَزُولُ في الموقِفِ.

وقوله: [{يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} يَتبَرَّأُ القَادةُ مِنَ الأَتْباعِ، {وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} يَلْعنُ الأتْباعُ القادَةَ]، وهذه الآية عامَّةٌ، يتَبَرَّأُ القادَةُ من الأتْباعِ

<<  <   >  >>