والمثْبَتُ هو جِهةُ العُلُوِّ التي لا تُحيط به، أما جِهة السُّفْلِ فمُمْتَنِعَة، وأما جِهةُ العلُّو التي تُحيطُ به فممتَنِعَةٌ أيضًا؛ لأنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليس فوقَهُ شيءٌ.
إذنْ: كيفَ نُؤَوِّلُ قوله تعالى: {إِلَى رَبِّي}؟ القولُ الصحيحُ الرَّاجحُ أن قوله:{إِلَى رَبِّي}، أي: إلى دِينِهِ، أي: إلى مكانٍ فيهِ دِينُ اللَّه، كقوله تعالى:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحج: ٤٠]، أي: مَنْ ينْصُرُ دِينَهُ، وليس المرادُ أن دِينَ اللَّهِ موجودٌ في كل بُقْعَةٍ، ولو كان دِينُ اللَّهِ موجودًا في كلِّ بُقْعَةٍ ما خَرج عَلَيْهِ السَّلَامُ مِن مَكانِهِ.
فالحاصلُ: أن الإنسانَ المهاجِرَ إلى دينِ اللَّه يلتَمسُ المكان الذي يُقيمُ فيه دِينَهُ، ولذلك صارَتِ المدينةُ دارَ هِجْرةٍ لما أُقيمَ فيها الدِّينُ، ولهذا يقولُ العلماءُ في الهجْرةِ: إنها الانتقالُ من بلدِ الشِّرْكِ إلى بلدِ الإسلامِ حيثُ يُقيمُ دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وقوله:{مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي}(إلى): للغاية، وفيها الإشارةُ إلى حُسنِ نِيَّتِهِ وقصْدِهِ، قال النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام:"مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيهِ"(١).
لو قال قائل: وَردَ في الحديثِ أن إبراهيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قال لزَوجَتِهِ سَارة: "لَيْسَ
(١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ رقم الحديث (١)؛ ومسلم: كتاب الإمارة، باب قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّما الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ"، رقم الحديث (١٩٠٧).