للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{أَكْبَرُ}: خبرُ المبتدأ.

وقوله: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} يَشْمَلُ مَعْنَيين:

الأول: ولَذِكْرُكَ ربُّكَ أكْبَرُ.

والثاني: ولَذكرُ اللَّه إياكَ بالصَّلاةِ له أكبرُ من نَهْيهِ عَنِ الفَحشاءِ والمنْكَرِ، والشأنُ بذِكْرِ اللَّهِ لكَ لا بِذِكْرِكَ للَّه، كما أن الشأنَ بمَحَبَّةِ اللَّه لك لا بمحبَتِّكَ للَّه.

وانظر إلى قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١]، فالشأنُ أن تُذكَرَ لا أنْ تَذكُرَ، وكما أن هذا بالنِّسْبَةِ للمَخلوقِ مع الخالقِ هو أيضًا بالنِّسْبَةِ للمخلُوقِينَ مع بعضهمِ، كونَكَ تحِبُّ فُلانًا أو تذكر فُلانًا لا تَسْتَفِيدُ شَيئًا، إذا كان فلان مُعْرضًا عنك لا تَسْتَفِيدُ إلا العناءَ والبلاءَ، ويشْهَدُ لِذَلكَ قضيةُ بريرةَ مع زَوجِهَا مُغيثٌ، هو يَذْكرها لكن هي لا تَذْكُرُه ولا تُريدُهُ، هو يُحِبُّهَا حبًّا شَدِيدًا وهي لا تحِبُّه (١)، فالشأنُ أن يذْكُرك اللَّه، ولكن ثِقْ بأنك إذا ذَكرتَ اللَّه مِنْ قَلْبِكَ فإن ذكرَ اللَّه لكَ أعظمُ من ذِكركَ له، وفي الحديث القُدْسِيِّ: "إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِه ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي"، ونفْسُ اللَّه أعظمُ من نَفْسِكَ بلا شكَّ، "وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ" (٢)، فأنتَ اذكرْ رَبَّك حقيقةً، فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يذْكُرُك ذِكْرًا


(١) أخرجه البخاري: كتاب الطلاق، باب شفاعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على زوج بريرة، رقم (٤٩٧٩) ابن عباس بلفظ: أن زوج بريرة عبد أسود يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعباس: "يَا عَبَّاسُ! أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا". فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَوْ رَاجَعْتِهِ". قالت: يا رسول اللَّه! تأمرني؟ قال: "إِنَّما أَنَا أَشْفَعُ". قالت: لا حاجة لي فيه.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول اللَّه تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، رقم (٦٩٧٠)؛ ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر اللَّه تعالى، رقم (٢٦٧٥) عن أبي هريرة.

<<  <   >  >>