يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} لم يَذْهبْ إبراهيمُ ليُنازِعَهُ ويقول: أنت لا تُحْيِي ولا تُميتُ، أنت أنما تفْعَلُ السبب، بل قال له:{فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} آتَاهُ بدَليلٍ ولازِمٍ لا ينْفَكُّ منه، ولهذا قال عَزَّ وَجَلَّ:{فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}[البقرة: ٢٥٨]، أي: ما استطَاعَ أن يتَخَلَّصَ من هذا الإيرادِ.
وأيضًا من الأحْسَنِ في المناظرةِ إذا رَأيتَ بسُلوككَ أحدَ الطُّرقِ أنه قد ينْفتِحُ عليك بابُ المعارضة، فاسلُكِ الطريقَ الآخَرَ، ولا تقل: أنا أحِبُّ أن أُبْقِى على الحُجَّةِ التي أَدْلَيْتُ بها ولا أُورِدُ أُخْرَى لأني أخْشَى أن يكونَ ذلك التزامًا!
نقول: ما دامَ عندَكَ حُجَّةٌ تَعْرفُ أنه لن يستَطِيعَ أن يُنَازَعَ فيها، فاتْرُكِ التي أَدَلْيتَ بها أوَّلًا حتَّى لا ينْفَتِحَ عليكَ أبوابُ النَّقْدِ؛ ولأن هذه الحُجَّةَ تؤَدِّي إلى إفحامِ الخصْمِ، ولئلَّا تكون المنازَعَةُ بالحجَّةِ الأُولَى سَببًا لظُهورِهِ عليك؛ بينما أنت عِندكَ ما هو أقْوى مِنْ حُجَجِه إذا سلَكْتَ الطريقَ الآخَرَ، وإن كان بمَجموعِ الطُّرقِ ينْتَفِي الاعتراضُ؛ فأَوْرِدْ جَميعَها.
فالحاصلُ: أن المجادلَةَ بالتي هي أحسنُ تشْمَلُ الطريقةَ التي تنْدَفِعُ بها حجَّةُ الخَصْمِ وتقومُ عليها الحُجَّةُ، وتَشْمَلُ كيْفِيَّةَ إلقاءِ هذه الحُجَّةِ.
وقوله:{بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: بالبَراهينِ الصَّادِقَةِ والأدِلَّةِ القاطِعةِ، وليست كلُّ حُجَّةٍ مَقْبُولةً إلا حُجَّةً من اللَّهِ ورسولِهِ.
لو قالَ قائلٌ: ما هي حُجَّةُ مُنْكِري صفاتِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وكيف تُدْحَضُ هذه الحُجَجُ؟
الجواب: في الواقع أن مُنكِرِي الصفاتِ عندَهُمْ شُبَهٌ وليس عندهم حُجَجٌ،