للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} [الشورى: ١٦]، فاحتَجَّ من يُنْكِرُونَ صِفاتِ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على اختلافِ مَشارِبهِمْ؛ سواءٌ من يُنْكِرُ منهم الصفاتِ الخبَرَيّةَ أو الفعلية أو كلَّ الصفاتِ؛ احتَجُّوا بشبهةٍ وهي: أن إثباتَ هذه الصفاتِ يستلزمُ التَّشبيهَ، قالوا: لأنا لا نعْقِلُ في الخارجِ من يُوصَفُ بهذه الصفة إلا المخلوق، فيَقْتَضِي أن يكونَ اللَّه تعالى مُشَابِهًا للخلْقِ، وعلى هذا فيَجِبُ إنكار الصفات، هذه غالبُ حُجَّةِ أهلِ التَّعْطِيلِ.

وهذه الشُّبْهَةُ سهلٌ إبْطالها، فنقول لهم: أنتم تُشَاهِدُونَ المخلوقاتِ بعضَها تَتَّفِقُ مع بعضٍ في الأسماء، فالجَمَل له يَدٌ ورِجْلٌ، والحِصانُ له يَدٌ ورِجْلٌ، والنَّمْلَةُ لها يدٌ ورِجْلٌ، والإنسانُ له يَدٌ ورِجْلٌ، وهي مختلفة غير متَشَابِهَةٍ، فإذا انتَفَى التَّشَابه في المخلوقاتِ مع أنها كُلَّها حادِثةٌ، فانتفاءُ التَّشَابُهِ بين الخالقِ والمخلُوقِ من بابِ أَوْلى وأقْطَعِ وأظهْرِ وأبيْنِ.

وقولهم: (في الخارِجِ) أي: في الواقعِ، احتِرازًا من الفَرضِ الذِّهْنِيِّ، فقد يَفْرضُ الذِّهْنُ أشياءَ لا وُجودَ لها، فيُصَوِّر شخْصًا له آذانٌ طويلَةٌ، الأُذُنُ طول المنَارَةِ، والإصْبَعُ عشرةُ مليمترات، لكن هذا الذي صَوَّرَهُ ذِهنكَ غيرُ موجودٍ في الخارج، فيمكن للذِّهْنِ أن يُصوِّر كلِّيَّةً عامة يدخلُ فيها الإنسانُ والبَعيرُ والحِصانُ لكن لا وجود لها في الواقع.

فالحاصلُ: أنهم نَفَوا الصِّفاتِ عن اللَّهِ لأنه لا يُوجَدُ شيءٌ متَّصِفًا بهذه الصفاتِ إلا المخْلُوق، فقالوا: يجِبُ أن نَنْفِيَ عنه هذه الصفاتِ، وكذلك غُلاةُ الجَهْمِيَّةِ قالوا: لا نُثْبِتُ الأسماءَ، فلا نُسَمِّيَ اللَّهَ بالسَّميعِ ولا بالعَليمِ ولا بالغَفورِ ولا بالرَّحيمِ؛ لأن هذه أسماءُ المخلوقِ فلا نُسَمِّي بها اللَّه، وقالوا: لا نُثْبِتُ إلا فاعلًا وقادِرًا،

<<  <   >  >>