للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي لم يُعَذَّبْ به أحدٌ من العالمين لم يحْصُلْ.

وأيضًا هذه المائدة لو نزلت لكانت عِيدًا لأَوَّلِهمْ وآخِرهِمْ، وهي الآن مجهولة فليس عندَ النصارى عيد يُسَمَّى المائدة، فهذه أدِلَّةُ من قال: إنها لم تنزل.

لو قالَ قائلٌ: هل العذابُ الذي سيَنْزِلُ عليهم غيرُ معروفٍ في الدُّنيا؟

الجواب: العذابُ معروفٌ في الدُّنْيَا وهو عُقوبَةٌ لهم؛ لأن الآياتِ المقتْرَحَةَ إذا نزلَتْ ولم يُؤمِنْ أصحابها فإنهم يُعَذَّبُونَ.

وقوله: [{قُلْ} لهُمْ {إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} يُنزِّلُها كيفَ يشَاءُ]: ولو قال المُفَسِّر: ومتَى شاءَ. لكانَ أحسنَ.

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} هذه الجملَةُ حَصْرٌ، يعني: ما الآياتُ إلا عندَ اللَّهِ ليس عِنْدِي حتى أعْطِيَكم ما تقْتَرِحُونَ، وإذا كانت من عِندِ اللَّه فإنها تكونُ تبَعًا لمشَيئتِهِ وحكْمتِهِ يُنزِّلهُا كيفَ يشَاءُ ومتى شاءَ، فالحُكم إلى اللَّه، واللَّه عَزَّ وَجَلَّ ينَزِّلهُا لحِكمة، ومع ذلك فإننا نعْلَمُ عِلْمَ اليقينِ أن اللَّهَ ما أرْسَلَ رسولًا إلا آتاه مِنَ الآياتِ ما يؤمِنُ على مِثلِهِ البَشَرُ؛ لأن اللَّه حكيمٌ لا يُرْسِلُ رسولًا يقول للناس: إني رسول اللَّه إليكم أَسْتَبِيحُ دِمَاءكُم وأمْوالَكُم ونساءَكُم إذا لم تُؤمِنُوا بي، فلا يُمَكِّنهُ اللَّه تعالى إلا بالآياتِ التي تُلْزِمُ الناسَ بقَبُولِ قولِهِ، ولو جاء رسولٌ بدونِ آيات لكان مُنَافِيًا للحِكْمَةِ.

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} وقوله: {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} في كِلَا العَبارَتين حَصْرٌ، لكن هل الحَصْرُ فيها حَقِيقِيٌّ أو إِضَافِيٌّ؟

الحصْرُ الأوَّلُ حَقِيقِيٌّ؛ لأن الآياتِ لا تكونُ إلا من عندِ اللَّه، ولا أحدَ يستطيعُ

<<  <   >  >>