للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدَّجَّالَ ليس عَذَابًا فقط، بل هو عَذَابٌ على قومٍ ورَحْمَةٌ على آخرين، فهذا الذي يقتُلُه ويُحْييه هو أعْظَمُ الناس شهادَةً عندَ اللَّه، وهو له رَحْمَةٌ، وعُمومًا هذا الكلامُ خَطِيرٌ.

ونقولُ لهم: ألَسْتُمْ في كلِّ صلاةٍ تقولون: "نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمنْ فِتْنَةِ المسِيحِ الدَّجَّالِ" (١)، والرسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَذَّرَ الصَّحابَةَ (٢)، والصحابةُ خَافُوا حتى ظَنُّوا أنه في أطَرافِ النَّخْلِ، خافُوا لشِدَّةِ إنذارِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لا لكونه سيَخْرُجُ، لكن كونُكَ أيضًا تُوهِمُ الناسَ أن الدَّجَّالَ سيَخْرُجُ الآن، أو أنه سَيأتِي بعدَ سَنَةٍ أو سَنَتينِ، هذا غَلَطٌ لأنَّنَا لا عِلْمَ لنا بهذَا، بل نقول: إنَّهُ مِنْ أشْراطِ السَّاعةِ.

لو قالَ قائلٌ: ما حُكْمُ التَّحَاكُمِ إلى المحاكِمِ غيرِ الشَّرْعِيَّةِ، أي: التي تَحْكُمُ بالأحكامِ المخالِفَةِ للشَّرِيعَةِ؟

فالجوابُ: إذا أُلْجِئَ إلى المحاكَمَةِ إلى هذه المحاكمِ غيرِ الشَّرْعِيَّةِ، فإننا نقولُ بالجوازِ إذا كان وَسِيلَةً لاستِخْراجِ حقِّه، بشَرْطِ ألا يَقْبَلَ ما زادَ عَلَى الحقِّ، فالناسُ حقيقة مضَطَّرون إلى هذا في البلادِ الأُخْرى لأن حَقُوقَهُم تَضِيعُ، ولو قيل بالمنْعِ


(١) أخرجه البخاري: كتاب صفة الصلاة، باب الدعاء قبل السلام، رقم (٧٩٨)؛ ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، رقم (٥٨٩)، عن عائشة.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الفتن، باب ذكر الدجال، رقم (٧١٢٧)؛ ومسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صيام، رقم (١٦٩)، عن ابن عمر، واللفظ لمسلم: قام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الناس، فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: "إني لأنذركموه، ما من نبي إلا وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكن أقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لقومه: تعلموا أنه أعور، وأن اللَّه تبارك وتعالى ليس بأعور".

<<  <   >  >>