للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الفِتَنِ العَظِيمَةِ، ولهذا رأَيْنَا مِن الناسِ من ذَهَبُوا ورَجَعُوا متأثِّرينَ، وهذا خطرٌ عَظِيمٌ ليس بالأمرِ الهَيِّنِ.

فإذا تمَت هذه الشروطُ الثلاثةُ فيجوزُ، أما مجَرَّدُ أن يسافر -والعياذ باللَّه- لأجلِ النُّزْهَةِ أو يسافِرُ لأجلِ دراسَةٍ يجدُ في بلَدِهِ ما يقومُ عنْهَا، أو يسافرُ وهو يعْرِفُ من نَفْسِهِ اتِّبَاعَ الشَّهواتِ وضعفَ الدِّينِ؛ فإن هذا لا يجوزُ له السَّفَرُ مهما كان.

لو قالَ قائلٌ: ما من عِلْمٍ إلا وهو موجودٌ في بَلادِ المسْلِمينَ فكيفَ يُجِيزونَ السَّفَرَ لبلادِ الكُفَّار مِنْ أجلِ الدِّرَاسَةِ؟

الجواب: كَثيرُ من التَّخَصُّصاتِ الحديثةِ لا تُوجَدُ في بلادِ المسْلِمينَ كعلمِ الطبِّ والجُيُولوجيا وغيرها، وقد اشتَرْطَنَا العِلْمَ وقوةَ الإيمانِ وكذلك الحاجَةَ، وكونُنَا نُشَدِّدُ على الناس في هذا الأمر خطأٌ، فالمسألة ليست نظرية فقط، بل المسألةُ نَظَرِيَّةٌ وعَمَلِيَّةٌ؛ لأن معنى ذلك أن كلَّ الَّذِين ذَهبوا للدِّرَاسَةِ كلهم على معصيةِ اللَّه منذ ذَهَابهم إلى أن يَرْجِعُوا، ويجبُ علينا أن نَهْجُرَهُمْ، فنعودُ إلى الجاهلِيَّةِ الأُولَى.

فيجبُ أن نعرفَ أن المسألةَ تحتاجُ إلى نوعٍ مِنَ المرُونَةِ في هذه الأمور، فالرجل الذي نعرف أنه ذهبَ إلى بلدٍ فيها تَخَصُّصاتٍ ليست في بلادِ المسْلِمِينَ ونعرفُ أن الرجلَ قُوِيُّ الإيمان وأن عِنْدَهُ عِلمًا؛ كيف نَمْنَعُه مِنْ إفادَةِ المسلِمينَ بهذه العُلومِ؟

لو نَحْظُرُ الأمر على الناس لقالوا: أنتم متَحَجِّرُونَ لا تُرِيدُونَ أن نَنْتَفِعَ بأيِّ شيء مما انتَفَع به النَّاسُ، دَعُونا نَذْهَبُ ونتَعَلَّمُ ونَرْجِعُ إليكم -إن شاء اللَّهُ- بالنَّفْعِ والعِلْمِ، والآن -والحمد للَّه- تَحَسَّنَتِ الأمورُ كَثِيرًا بالنِّسْبَةِ للمُبْتَعِثينَ حسب ما سمِعْنا، فهم يحرْصُون على إظْهَارِ دِينِهِمْ، بل وعلى الدعوةِ إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ويَلْتَفُّ بعضهمُ حَول بعضٍ، فأنا أَرَى ألَّا نضْغَطَ على الناس ونقول: إن السفر حرامٌ مُطْلَقًا،

<<  <   >  >>