للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما دامَ هذا للحاجَةِ وليس إقامةً دائِمَةً مع اشتراطِ العِلْمِ والتَّقْوى؛ فما المانع؟

وأما حديث: "مَنْ جَامَعَ المشْرِكَ. . . " (١) فقد يحْمَلُ على السُّكْنَى الدَّائِمَةِ التي يتَّخِذُ الإنسانُ فيها بلادَ الكُفَّارِ وطَنًا بلا ضرورةٍ، فالمسألةُ خَطِيرَةٌ من ناحِيَتَيْنِ: من ناحيةِ أن الناسَ في حاجة إلى هذا، ومن ناحِيَةٍ أن الناسَ في حاجةٍ إلى أن يَعْرِفُوا أولِياءَهم من أعدائهم، فالمسألةُ تحتاجُ إلى بَحْثٍ وتحريرٍ ومراجَعَةٍ كثيرة.

لو قِيلَ: ما حكمُ الذَّهابِ إلى بلادِ الكُفَّارِ مِنْ أجلِ الدَّعوة إلى اللَّه؟

فالجواب: يجوزُ إذا كانَ الدَّاعِي إلى اللَّه عِنْدَهُ عِلْمٌ وقوةُ إيمانٍ.

لكن لو قالَ قائلٌ: لا حاجةَ لذَهَابِهِ.

قلنا: بل له حاجَةٌ، وهي الدَّعوةُ إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، ومعلوم أن الَّذِي ذَهَبَ لِيَدْعُوَ إلى اللَّه ليس كالذي ذَهَبَ ليَنْتَفِعَ مِنْ عُلومِهِمْ؛ لأن الثاني يَرَى أنه ذَلِيلٌ أمامَهُم ومحتاجٌ إليهم، لكنَّ الدَّاعِيَ إلى اللَّه هُمُ المحْتَاجونَ إليه، فبينهما فَرْقٌ، ولهذا -واللَّه أعلم- كان من الأسبابِ التي انْحرفَ بها مِنِ انحرفٍ من أولئكَ الذَّاهِبين.

ولو قيل: ما حُكْمُ من يسِافرُ إلى بلاد الكفَّار لنيلِ شهادَةِ الدُّكتوراة في الشَّريعَةِ؟

فالجواب: هذا حرامٌ ولا إشكالَ من كونِهِ حَرَامًا؛ لأنه:

أوَّلًا: ليس بحاجَةٍ أن يَذْهَبَ ليدْرُسَ شريعةَ الإسلامِ في بلاد الكُفْرِ،


(١) أخرجه أبو داود: كتاب الجهاد، باب في الإقامة بأرض الشرك، رقم (٢٧٨٧)؛ والطبراني في الكبير (٧/ ٢٥١) (٧٠٢٣) عن سمرة بن جندب، ولفظ أبي داود: "مَنْ جَامَعَ المُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ".

<<  <   >  >>