سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حقًّا، وقالت الجهمية: إنه بِذاتِهِ في الأرضِ وليس في السماءِ -والعياذ باللَّه-، فقَلَبُوا الحقائقَ.
ثم إن طائفةً تحَذَلْقَتْ وهم الأشْعَرِيَّةُ، حكَى ذَلكَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ عَنِ الأشْعَرِيِّ في المقالات -أعني مقالات الإسلاميين- قالوا: نحن نقول بالدَّلِيلَيْنِ، نقولُ: إن اللَّه معَنَا بذَاتِهِ، وهو في السماءِ عَلَى العَرْشِ بذَاتِهِ، فيكون مكانُهُ على زَعمِهِمْ فوق، تحت، فهؤلاء وافَقُوا الجهْمِيَّةَ من وَجْه، ووافَقُوا أهلَ السُّنَّةِ من وَجْهٍ: وافَقُوا أهلَ السُّنَّةِ في قولهم: إن اللَّه على عرشِهِ بذاتِهِ، ووافَقُوا الجهْمِيَّةَ في قولهم: إنه بذَاتِهِ في الأرض، وقالوا: نحن أخذنا بكلا الدليلين، فنحن أسعدُ بالدَّلِيلِ من أهلِ السُّنَّةِ والجماعة ومن الجهْمِيَّةِ؛ لأن أهلَ السُّنَّةِ أخذُوا بدليلٍ وتَرَكُوا دليلًا، أخذوا بنصوص العُلُوِّ وتَركُوا نصوصَ المعِيَّةِ، والجهمية أخَذُوا بنصوصِ المعِيَّةِ وتركوا نصوصَ العُلُوَّ، ضرَبُوا عنها صَفْحًا، وهم يزعمون أنهم أخَذُوا بالنصوص جميعًا.
والجوابُ عن هذه الشُّبهةِ: نقول: أنتم الآن جمعتُم بينَ النَّقِيضَين، إذا كان عاليًا كما هو الحق، فكيف يكونُ في الأرض؟ هل هو إلهٌ واحدٌ أم آلهة متعددة؟
الجواب: هو إله واحد، فإذا كان فوقَ فلا يمكن أن يكونَ تحتَ؛ لأن الفوقيةَ والتَّحتِيَّةَ من الأمورِ المتقابِلَةِ التي إذا انتَفَى أحدُهَا ثَبَتَ الآخر، ولا يمكن أن تجتمع بحال.
ثم نقول: إذا قُلتم بذَاتِهِ في الأرض، لَزِمَ منه إذا كانَ الإنسان في المسْجِدِ أن يكونَ اللَّه في المسجدِ وإذا كان في السوقِ أن يكونَ اللَّه في السوقِ، وإذا كان في البِرِّ أن يكون اللَّه في البِرِّ، وإذا كان في الجوِّ أن يكون اللَّهُ في الجوِّ، تَعَالَى اللَّه عما يقُولونَ عُلوًّا كَبِيرًا.