فماذا قالوا: وأنتم يا أهلَ السُّنَّةِ تقولون: إن اللَّه مَعَنَا حقًّا وهو فوق العَرْشِ حقًا؟ !
قلنا لهم: هو مَعَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حقًّا، وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فوقَ العرْشِ يعْلَمُنَا ويرَانا ويَسْمَعُنَا ويُدَبِّرُنا وله السلطةُ والهيمَنَةُ، ومن كان كذلك فهو معك وإن كان فوقك، فالذي يعْلَمُكَ ويَسْمَعُك ويراك ويحيطُ بك ويُهَيْمِنُ عليكَ تَدْبِيرًا وسُلطانًا لا شكَّ أنه معك، فالرجلُ يقال: إنه مع امرأتِهِ وهو في المكتَبِ وهي في بَيْتِهَا، والرجلُ له نوعُ سُلطةٍ على امرأتِهِ، والمصاحَبَةُ بسيطةٌ، فكيف بالخالقِ عَزَّ وَجَلَّ الذي لا يُعْزُبُ عنه مثقالُ ذرَّةٍ في السموات ولا في الأرض، فنحن نقول: هذا أمرٌ مُمْكِنٌ أن يكون اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى معنا وهو فَوْقَ عَرْشِهِ؛ لأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى معنا محيطٌ بنا عِلْمًا وسَمعًا وبَصَرًا وقدرة وسُلْطانًا وتَدْبِيرًا، وغيرَ ذلك من معاني رُبوبِيَّتِه، والذي هذا شأنه يَصِحُّ أن يقال: إنه معك وهو فوق عَرْشِهِ.
وشيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ أشار إلى مَثَلٍ يُقرِّبُ هذا الشيء فقال (١): إن العرب تقول: ما زلنا نسير والقمر معنا، أو والنَّجْمُ مَعَنا، أو والقُطْبُ مَعَنَا، والقمرُ في السَّماءِ ونحْنُ في الأرضِ، مع أنه مخلوق، فكيف بالخالق جَلَّ وَعَلَا؟ !
فالحاصل: أن هذا التَّلْبِيسَ وهو قولهم: نحنُ نؤمِنُ بالدَّلِيلَيْنِ وأنتم يا أهلَ السُّنَّةِ لا تؤمنونَ إلا بدليلٍ واحدٍ، قد يُورِدُ شبْهَةً في قُلوبِ بعض الناس.
والجوابُ عن هذه الشُّبْهَةِ أن نقول لهم: ما آمنتم بالدَّليلَيْنِ، بل أنتم في الحقيقة أنْكَرْتُم الدَّليلين؛ لأن المعِيَّةَ لا يريدُ اللَّه بها ذلِكَ أبدًا، لا يمكنُ أن يريدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بمَعِيَّتِهِ أن يكونَ في الأرض، ولو قلنا: إن هذا هو حقيقةٌ أو ظاهرُ النصوص، أي: لو قلنا: إن ظاهِرَ نصوصِ المعِيَّةِ أن اللَّه في الأرض، لكان لازمُ هذا القول أن ظاهرَ