للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واعلم أن المعيةَ نوعانِ: عَامَّةٌ وخاصَّةٌ.

المعيةُ العامَّةُ: التي تَشْمَلُ كلَّ أحدٍ، ومنه قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: ٧]، هذه مَعِيَّةٌ عامَّةٌ لأنها شامِلَةٌ للمؤمنِ والكافرِ والبَرِّ والفاجِرِ، والمقصودُ بها إحاطةُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بكُلِّ شيءٍ، ولهذا سُئِلَ إسحاقُ ابن رَاهِويه -وهو من أئمةِ السَّلَفِ- عن معنى هذه الآية: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: ٧]، فقال رَحِمَهُ اللَّهُ: [حيثُمَا كُنْتَ فَهُوَ أقْرَبُ إِلَيْكَ مَنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ]، ففَسَّرَ المعِيَّةَ بالقُرْبِ، وهذا التَّفْسِيرُ لا ينافي تَفْسِيرَ غيرِهِ من السَّلَفِ من أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى معهم بالعِلْمِ.

إذن: المعِيَّةُ العامَّةُ تقتَضِي الإحاطةَ، وقد تكون للتَّهْدِيدِ، كقولِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: ١٠٨]، هذه المعِيَّةُ المقصودُ بها التَّهْديدُ، أي: بيانُ أن اللَّه محيطٌ بهِمْ، وأيضًا ليُهدِّدَهُم بسببِ هذا العملِ القَبيحِ، وهو كونهم {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ}، حال كون اللَّه جَلَّ وَعَلَا محُيطًا بهِمْ عِلْمًا وسَمْعًا وبَصَرًا وقُدْرَةً.

المعِيَّةُ الخاصَّةُ: نوعان: خاصَّةٌ بشخْصٍ، وخاصَّة بوصْفٍ، المخْصُوصَةُ بالشَّخْصِ: كما في قول اللَّه تعالى لموسى وهارون: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦]، وقول النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠]،

<<  <   >  >>