للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والخاصَّةُ بالوَصفِ: كما في هذه الآية: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، وقوله: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: ١٩]. وقوله: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: ٤٦]، والآياتُ في هذا كَثيرَةٌ.

واعلم أنه لا يُوجَدُ تناقُضٌ في الكتابِ والسُّنَّةِ؛ لأن التَّنَاقُضَ معناه أن أحدَهُما باطلٌ والآخَرُ حقٌّ، فليس في الكتابِ والسُّنَّةِ شيءٌ من التناقُضِ، فإذا توَهَّمْتَ تناقضًا فاعلْم أن ذلك لا يخْلُو من ثلاثةِ أحوالٍ: إما لقُصورِ عِلْمِكَ، أو لنُقْصَانِ فهِمْكَ، أو للتَّقْصِيِر في التَّدَبُّرِ، ودليلُ ذلك قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢].

هذا في الذي يتَوَهَّمُ تَنَاقُضًا، أما الذي يَدَّعِي تناقضًا فهذا نزيدُ على الثلاثةِ المتقدِّمَةِ أمْرًا رابعًا: وهو: سوءُ القَصْدِ، ودليله قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: ٢٤].

ولِنَفْرِضَ أن رَجُلًا يُريد أن يتَدَبَّرَ القُرآن، فقَرَأ آيتيْنِ ظاهِرُهما التَّعارُضُ وأرادَ أن يجمْعَ بينهما، فعَجَزَ عن أن يجْمَعَ بينَ الآيَتين، لا فَهِمَ وجْه الجَمْعِ، وأيضًا ليس عنْدَهُ عِلم أن إحدَاهما ناسِخَةٌ للأخرى، فماذا يَصْنَعُ؟

نقول: يقول -كما قالَ الرَّاسِخُون في العِلم-: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧]، ويتَوَقَّفُ، لكن لا يكْفِي التَّوَقُّفُ وهو يعْتَقِدُ أن في القرآن تَنَاقُضًا وأن الأمرَ مُشْتَبِهٌ عليه، بل لا بُدَّ مع تَوَقُّفِهِ أن يعلْمَ أنه ليس في القرآن تناقضٌ، وأن يدَعَ جانبًا تَوَهُّمَ التعارضِ، فلا يبْقَى على تَوهُّمِهِ لأنه إن بَقِيَ على توهُّمِ التعارضِ فقد رَكَن إلى هذا التوهُمِّ، وهو في هذه الحال على خَطَرٍ، فالواجبُ أن يعْلم أنه ليس في كتابِ اللَّه وليس بينَ الكِتابِ والسُّنَّةِ تعارُضٌ، وبهذا نعْرِفُ أن السُّنَّةَ كالقُرآنِ،

<<  <   >  >>