للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فانظرُ مراحِلَ الدَّعوةِ العَظيمَةِ ومع ذلك ما استَفَادُوا شيئًا، فما آمَنَ معه إلا قليلٌ، فالمدَّةُ طويلَةٌ والدَّعوةُ متَنَوِّعَةٌ والمضادَّةُ والمحادَّة لنُوحٍ شديدةٌ وعظيمةٌ، يمرُّونَ به وهو يصنَعُ السفينة ويَسخَرونَ منه، لكنه مؤمِنٌ باللَّه عَزَّ وَجَلَّ ويقولُ: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود: ٣٨ - ٣٩].

هذه المدَّة الطويلةُ يقولُ اللَّه تعالى في سُورَةِ هُودٍ: {وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: ٤٠]، حتى إن أحدَ أولادِهِ ما آمَنَ، وهذا يوجِبُ لنا أن نَصْبِرَ ونحْتَسبَ، والإنسانُ مِنَّا إذا دَعا الناس لمدة ساعَةٍ ولم يَسْتَجِبْ أحدٌ غضِبَ وتركَ الدَّعوةَ وقال: لا توجدُ فائدةٌ، ونوحٌ لَبِثَ ألفَ سنة إلا خمسين عامًا ومع ذلك ما آمنَ مَعه إلا قليلٌ.

يقول اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ} القَصصُ تكون أحيانًا مختَصَرةً يُذكرُ فيها السببُ والأثرُ بدونِ تفْصيلٍ، إرسالٌ ومكثٌ طويلٌ وبعدَ ذلك أخذٌ، لكِنْ أخذٌ بسببٍ، وهو قولُه: {وَهُمْ ظَالِمُونَ}.

قال تعالى: {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ} (أخذهم) أبْلغُ من قوله: (فأغْرقهم)، والأخذُ يكون في مقابَلَةٍ عَملٍ فهُو جَزاءٌ.

قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الطُّوفَانُ} أيْ: الماءُ الكَثيرُ، طافَ بهم وعَلاهُم فغَرِقُوا]: طافَ بهم من كلِّ جانبٍ -والعياذُ باللَّه-، وقد ذَكر اللَّهُ تعالى شأنَ هذا الأمرِ فقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢)} [القمر: ١١ - ١٢]، كلُّ أبوابِ السماء فُتِحتْ، وإذا فتِحَتْ أبوابُ السماءِ ستكونُ مِثْلَ القِربِ، {بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}: يعنِي نازلًا بشِدَّةٍ وقُوَّةٍ، {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا}: الأرضُ كلها تَفجَّرَتْ عُيونًا حتى قال اللَّه في آيَةٍ أُخرى: {وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود: ٤٠]،

<<  <   >  >>