قوله:{آيَةً لِلْعَالَمِينَ}، المرادُ بالعالمين هنا منْ بعدَهُم مِنَ الناسِ، كما قال المُفَسِّر:[لمَنْ بعْدَهم مِنَ الناسِ إن عَصَوا رُسُلهُمْ]، فكأنَّ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ يقول: إن الضَّميرَ في قولِهِ: {وَجَعَلْنَاهَا} يعودُ على القصَّة كلِّها، وأنها عِبرةٌ للعالمين، يعني: أنهم إن عَصَوا رُسلَهُم فسيَحِلُّ بهم مِنَ العُقوبَةِ ما حَلَّ بقومِ نُوحٍ.
قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[وعَاشَ نُوحٌ بعدَ الطُّوفانِ سِتِّينَ سَنَة أو أكثرَ حتى كَثُرَ الناسُ]: أي: أن نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ عاشَ أربعينَ سَنة قبلَ البَعْثَةِ، وسِتِّينَ سنة بعدَ الطُّوفانِ هذه مئةُ سَنة، ودَعا النَّاس تِسْعَمئةٍ وخمسين سنة، فالمجموعُ ألفٌ وخمسون، لكن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ لم يجْزِم لأنه قال:[عَاشَ سِتِّينَ سَنَة أو أكثرَ]. ونحن نقول: ليس لنا فائدةٌ في مَعرِفةِ كَم لَبِثَ قبلَ الرِّسالة، ولا في معرفةِ كَمْ لَبِثَ بعد الطوفانِ؛ لأن المهمَّ هي القصَّةُ، فهذا أولُّ الرُّسُلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ومع ذلك وَجَد مِنْ قومِهِ مِنَ المعارضاتِ والاستِكبارِ وَرَدِّ دَعوته ما لم يَجِدْهُ نَبِيٌّ مثله، ولا نَعلمُ أن نَبِيًّا بقي في قومِهِ ألفَ سنةٍ إلا خَمسينَ عامًا إلا نُوحًا.
وعندنا مَثَلٌ عامِّيٌّ مشهور يقول:(عَسى عُمرُك عُمْر شُعَيبٍ) فإذا مثل غيرُ صَحيحٍ؛ لأن الذي بلَغَنَا مِنْ كتابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أن أطولَ النَّاسِ عُمُرًا نوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ولو قالوا:(عَسى عُمُرك عمرَ نوحٍ) كان معقولًا, ولا ندري إن كان نوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ أطولَ عُمرًا من آدم عليه السلام.
فائدة: في قِصَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ يقولُ اللَّه: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء: ١٠٥]، وقال تعالى أيضًا:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}[هود: ٢٥]، فالذي يُكذِّبُ رَسولًا