للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الساكتين بذلك القول. واختار هذا الغزالي في "المستصفى" (١). وقال بعض المتأخرين: إنه أحقُّ الأقوال، لأن إفادة القرائنِ العلمَ بالرضا كإفادة النطق، فيصير كالإجماع القطعي.

القول الثاني عشر: إنه يكون حجةً قبل استقرار المذاهب لا بعدها، فإنه لا أثر للسكوت، لما تقرَّر عند أهل المذاهب من عدم إنكار بعضهم على بعضٍ إذا أفتى أو حكمَ بمذهبه، مع مخالفته لمذهب غيره. وهذا التفصيل لابدَّ منه على جميع المذاهب. اهـ.

أقول: وأنت خبيرٌ أنه لو ثبتَ وقوعُ الإجماع الثاني فإنه لا يكون إلّا سكوتيًا كما مرَّ، وليس هناك قرائن تدلُّ على الرضا، بل بالعكس إن القرائن تدلُّ على أن من كان يرى خلافَ ذلك يمنعه الخوف من المقلّدين الذين هم جمهور الناس وأرباب السَّطوة والأُبَّهة أن يبطشوا به، وقد وقع بعض ذلك، ومع ذلك فهو إنما وقع بعد استقرار المذاهب. هذا على سبيل التنزل، وإلّا فلم يزل في كل عصرٍ جماعةٌ من العلماء يمنعون التقليد رأسًا، فدعوى الإجماع الثاني ساقطة من أصلها.

فإن قلت: قد سلَّمتم أن القاصر قد يضطر إلى نوع من التقليد، وهو في العمل بإخبار المجتهد بعدم المعارض للدليل الذي يُبينه له، وإذَنْ فهذا النوع من التقليد لم يزل موجودًا منذ العصر الأول، ولا يخفى أن القاصر منهم كان يستفتي المجتهدَ فيُفتيه، ويلزم في ذلك هذا النوع من التقليد. ثم إن ذلك القاصر يذهب يعمل بتلك الفتوى طولَ عمرِه، ولم يُنقَل أن أحدًا من


(١) (١/ ١٩١).