للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المصير إليه. [٣١] وسيأتي شرح هذا إن شاء الله في كلام الإمام الشافعي.

وأما الثاني فليس الأمر كما زعمتم، فإن أصحاب ابن عباس لم يكونوا مقلدين له، وإنما كانوا يأخذون عنه العلم بالرواية، وكثيرًا ما يأخذون عن غيره كما يعرفه من مارسَ الآثار، وكذا أصحاب ابن مسعود وغيره، وكذا أصحاب الأئمة الأربعة، كان أخذهم عنهم بطريق الرواية لا غير، كما هو معروف في كتبهم. كيف لا وقد تواتر عن الأئمة الأربعة المنعُ من التقليد مطلقًا؟ وإنما كان تعليمهم لتلامذتهم روايةً للأحاديث وتعليمًا لطُرق الاجتهاد، فدوَّن تلامذتهم كلامهم كذلك ليستعين به مَن بعدهم في حفظ الأحاديث وتعلُّم كيفية الاجتهاد، لا ليجمُدوا عليه، بل بيَّنوا أنهم ــ أي الأئمة ــ يمنعون من التقليد، كما تراه في أول "مختصر المزني". ولهذا ترى أصحاب كل إمام قد خالفوه في عدة مسائل ترجَّح لهم فيها خلافُ ما ترجَّح له. وقال بعض المنتسبين إلى مذهب الشافعي (١): لسنا مقلدين للشافعي، [ص] (٢) وإنما وافق رأيُنا رأيَه.

وقال السيوطي في رسالته: "الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض" (٣) ما لفظه: "وللمفتي المنتسب أربعة أحوال، أحدها أن لا يكون مقلِّدًا لإمامه، لا في المذهب ولا في دليله، لاتصافه بصفة المستقلّ، وإنما يُنسَب إليه لسلوكه طريقَه في الاجتهاد، وادَّعى الأستاذ أبو إسحاق هذه الصفة لأصحابنا، فحكى عن أصحاب مالك وأحمد وداود


(١) انظر ما سبق (ص ٧٨).
(٢) بداية صفحة جديدة لم ترقم في الأصل.
(٣) (ص ١١٤).