للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال المجيزون: هذا مسلّم، ولكن ليس في هذا ما يدلّ على أنه لا غرض للشارع غير ما ذُكِر، كيف وقد تقدّم من الأحاديث ما يدلُّ على أنه من المقاصد السلامُ عليهم، والدعاء لهم، والدعاء للنفس؟ [ص ٨] كما مرَّ ذلك في نَقْل الأدعية الواردة عنه صلى الله عليه وآله وسلم في زيارة القبور، فيرجع إليها (١)، وهي تدلّ أن من المقاصد السلام عليهم، والدعاء لهم وللنفس وللمؤمنين. ولفظ حديث عائشة: «السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون» (٢).

فإذا تقرَّر ذلك، فلا شك أنه لا يكفي في تحصيل هذه المقاصد زيارة أيّ قبرٍ كان، لأن من المقاصد: السلام على الموتى، وقد يريد الإنسان أن يخصّ بالسلام ميّتًا معينًا من الأنبياء أو الصالحين. ومن المقاصد: الدعاء لصاحب القبر، والإنسان قد يريد أن يخصّ أيضًا. ومن المقاصد: الدعاء للنفس وللمؤمنين، ولا شك أن الدعاء في بعض المواطن أَرْجى. ومن ذلك: مواضع قبور الأنبياء والصالحين، فإنَّ تجلِّي الرحمةِ عندها أكثر من غيرها.

ومن المقاصد الشرعية ــ وإن لم تدلّ عليها تلك الأحاديث ــ: تذكُّر سيرة الأخيار؛ لأن في ذلك الحضّ للنفس عليها. ولا شكَّ أن الإنسان عند زيارته قبور الأنبياء والصالحين يتذكَّر سِيَرهم وما كانوا عليه من الأعمال الصالحة واجتناب الشبهات؛ فيحمله ذلك على الاقتداء بهم. وأيضًا: أنه عند زيارة قبور أهل الخير، يستشعر ما هم فيه من رضوان الله تعالى والجنة،


(١) (ص ٢٠٩).
(٢) تقدم (ص ٢٠٩).