للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتشتاقُ نفسُه إلى اللحاق بهم، ويعلم أنّ ذلك متوقِّف على العمل بِعَمَلهم؛ فيحضُّه ذلك على عمل الخير.

فهذه كلُّها مقاصد شرعيّة، تختلف باختلاف القبور، وبذلك يُخصّص حديث النهي عن شدّ الرِّحال على تسليم عمومه في كلِّ شيء. فأما على اقتصار عمومه على البقاع أو المساجد فلا حاجة إلى التخصيص. أما الثاني فواضح، وأما الأول: فلأننا نقول: المراد البقاع لذاتها لا لشيء آخر كائنٍ فيها، كعالم كائن في مصر، وجهادٍ في الثغر، ونحو ذلك. إذ ليس القصد ذات مصر ولا الثغر، وإنما القصد العالم والجهاد. ومثل هذا يقال في قبور الأنبياء والصالحين، فليس القصد القبر، أي الحفرة التي هي من الأرض، بل القصد الذات المدفونة فيها.

[ص ٩] قال المانعون: لا نسلِّم أن للشارع حِكْمةً في الأمر بزيارة القبور غير ما نصَّ عليها الحديثُ، كما مر. فأما السلام عليهم، والدعاء لهم، والدعاء للنفس وللمؤمنين فهي من المقاصد العامة التي تُقال عند غير القبور فجيء بها عند زيارة القبور عَرَضًا. وإن سلَّمنا أنها من المقاصد فليست لذاتها وإنما هي حاصلة تبعًا، يدلك على ذلك أن السلام عليهم معناه الدعاء لهم بالسلامة، وذلك (١) والدعاءُ لهم وللنفس وللمؤمنين يمكن أن يحصِّلها الإنسان وهو على فراشه، فكيف يقال: إنها من الأغراض التي شُرِعت لها زيارة القبور؟ !

وقولكم: «وقد يريد الإنسان أن يخصّ بالسلام إنسانًا معيّنًا».


(١) كذا في الأصل. ويشير بذلك إلى السلام عليهم.