للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالجاريتان إنما كانتا تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث، وليس في ذلك مِن ذكر الله ولا الصلاة والسلام على رسوله شيء، ومع ذلك فإن نهي أبي بكر لهما واضح الدلالة على أنه كان يعلم النهي عن مثل ذلك، وظن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم به لكونه نائمًا، فنهاهما، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: «دعهما فإنها أيام عيد». فقوله: «فإنها أيام عيد» علةٌ لقوله: «دعهما». وفي هذا تقرير منه صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر على [ص ٥] النهي فيما عدا ما تتناوله العلة. ومقتضى الكلام أن ما تعلمه من النهي عن مثل هذا صحيح، إلا أنه مقيدٌ بأن لا يكون في أيام العيد، فإن أيام العيد يشرع فيها إظهار الزينة والتبسُّط في الأمور الدنيوية التي من شأنها ترويح النفس، كلبس الجديد، والتطيُّب، والتنظّف، ونحو ذلك.

والحاصل أن الذي يدل عليه الحديث دلالة واضحة: أن التدفيف والغناء بما فيه ذكر الحرب ونحوه غير جائز، إلا أنه يترخّص فيه أيام العيد، فهو دليل على أن ذلك مجرد رخصةً رخّص فيها صلى الله عليه وآله وسلم لزوجته وأقرَّها عليه، كما أقرها على اللعب بالبنات، ففي «الصحيحين» (١) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنتُ ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل ينقمعن منه، فيسرّبهن إليَّ فيلعبن معي.

وفي «سنن أبي داود» (٢) عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة تبوك أو حنين، وفي سهوتها ستر، فهبَّت ريح فكشفت ناحيةَ


(١) البخاري (٦١٣٠)، ومسلم (٢٤٤٠).
(٢) (٤٩٣٢). وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٨٩٠١)، والبيهقي: (١٠/ ٢١٩).