للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

قد فهمت مما قدمناه أن الرؤيا إنما هي بحديث النفس أو تصوير الشيطان أو تمثيل المَلَك، وأن ذلك واقع لروح الرائي بدون مفارقتها الجسد.

وفي المسألة مذهب آخر وهو أن الروح تفارق الجسد عند النوم، ثم تذهب حيث شاء الله تعالى من الكون، فربما شاهَدَتْ بعضَ الأشياء حقيقةً، وربما وقع لها التخييل والتمثيل من الشيطان أو من المَلَك.

ويُستَدَلّ لهذا المذهب بقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: ٤٢]. قالوا: فدلّت الآيةُ على أن الله تعالى يتوفّى نفسَ النائم كما يتوفّى نفسَ الميت، ثم يمسك ما قَضى عليها الموتَ من نفوس النائمين، ويرسل التي لما يَقْض عليها الموتَ عند إرادة اليقظة.

هذا على كون ما بعد الفاء تفسيرًا للنائمة، فمعنى الآية {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا و} يتوفى {الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} أي: يتوفاها في منامها، ثم يقضي سبحانه وتعالى في النائمة بما أراد {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} أي: يحبسها عن العَود إلى الجسد فيموت {وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى} التي لم يَقْض عليها الموتَ بإعادتها إلى جسدها عند إرادة يقظته {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وهو أجل انتهاء العمر، فإذا جاء الأجلُ توفّاها وأمسكها. والله أعلم (١).


(١) انظر «الروح»: (١/ ٥٦ - ٥٩)، و «مجموع الفتاوى»: (٥/ ٤٥١ - ٤٥٣).