للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اتلوه وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا) (١).

{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} في سبب النزول، قال ابن عباس رضي الله عنهما: تهجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة بمكة، فجعل يقول في سجوده (يا رحمان يا رحيم)، فقال المشركون: كان محمد يدعو إلهاً واحداً وهو الآن يدعو إلهين اثنين، والرحمن (٢) ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، فأنزل الله هذه الآية (٣).

ميمون بن مهران: كان يكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول ما يوحى إليه: باسمك اللهم، حتى نزلت آية {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل: ٣٠] فكتب (٤): بسم الله الرحمن الرحيم، فقال مشركوا العرب: هذا الرحيم (٥) نعرفه فما الرحمن؟ فأنزل الله هذه الآية (٦).

قال الضحاك: قال أهل الكتاب لرسول الله: إنك لَتُقِلُّ ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم، فأنزل الله {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} (٧).

أي: ادعوه الله أو ادعوه الرحمن فإن له تسعاً وتسعين اسما فبأيها شئتم فادعوه.

{أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} المعنى: أي اللفظين دعوتم الله به أصبتم.

و{مَا} زيادةٌ مُؤَكِّدَةٌ عند جماعة من النحويين، زيدت عوضاً عما منع من الإضافة، وذهب بعضهم إلى أن {مَا} أيضاً للشرط، فأدخل شرط على شرط.

من وقف على {أَيًّا} جعل معناه: أي اللفظين دعوتموه (٨) به جاز، ثم استأنف فقال {مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} لأن كل أسمائه مدح وثناء لائق بذاته وأفعاله.

{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} في سبب النزول، ذكره البخاري ومسلم جميعاً عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: نزلت بمكة والنبي -صلى الله عليه وسلم- مُخْتَفٍ بمكة، وكانوا إذا سمعوا القرآن سَبُّوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فأنزل الله {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} فيسمع المشركون فيسبوا القرآن {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك فلا يسمعون {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١١٠)} (٩).

عائشة رضي الله عنها: نزلت في التشهد، كان الأعرابي يجهر فيقول: التحيات لله، فيرفع (١٠) صوته، فنزلت الآية (١١).


(١) الظاهر أنهما حديثان: الأول حديث عبدالله بن عمرو بمثل لفظ المؤلف إلى قوله (يفقهه). أخرجه أحمد= = (٦٥٣٥) وصححه محققو المسند، كما ورد بلفظ (لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث) أخرجه أبو داود (١٣٩٠)، والترمذي (٢٩٤٩)، وابن ماجه (١٣٤٧) وهو نفس الحديث بلفظ آخر وصححه الألباني.
أما الحديث الآخر: فهو حديث سعد بن أبي وقاص: (إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنَّوا به، فمن لم يتغنَّ به فليس منا). أخرجه ابن ماجه (١٣٣٧)، وأبو يعلى (٦٨٩)، والبيهقي في «السنن» ١٠/ ٢٣١، وأبو الفضل الرازي في «فضائل القرآن» (٩٠)، وقال الشيخ الألباني في تخريجه لسنن ابن ماجه: (ضعيف ... لكن قوله (وتغنوا به ... ) إلخ صحيح).
(٢) في «أسباب النزول» للواحدي (ص ٤٨٥): (الله والرحمن)، وهي كذلك عند الثعلبي (ص ٤٤٧)، والمثبت من (أ) و (ب).
(٣) أخرجه الطبري ١٥/ ١٢٣ - ١٢٤، وزاد السيوطي ٩/ ٤٦١ نسبته لابن مردويه، وذكره الثعلبي (ص ٤٤٧)، والواحدي في «أسباب النزول» (ص ٤٨٥)، والقرطبي ١٣/ ١٩١.
(٤) في (ب): (وإنه) بدلاً من (فكتب).
(٥) في (أ): (رحيم).
(٦) ذكره الثعلبي (ص ٤٤٧)، والواحدي في «أسباب النزول» (ص ٤٨٥)، وابن الجوزي ٥/ ٩٩.
(٧) ذكره كذلك الثعلبي والواحدي وابن الجوزي، مثل المصادر التي في الهامش السابق.
(٨) سقطت (به) من (ب).
(٩) أخرجه البخاري (٧٤٩٠)، ومسلم (٤٤٦) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(١٠) في (ب): (التحيات لله يرفع بها صوته ... ).
(١١) أخرجه الطبري ١٥/ ١٣٣ - ١٣٤، والحاكم ١/ ٢٣٠، وابن خزيمة في «صحيحه» (٧٠٧)، وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (ص ٤٨٦).

<<  <   >  >>