للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأصله من الفَرْض وهو الحز وفصل الشيء من الشيء.

وقيل: معناه: وفرضناها عليكم وعلى من بعدكم (١).

{وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} أي: دلائل واضحات. وقيل: فرائض وأحكاماً (٢).

{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} لكي تذكروا وتعتبروا، ثم فَصَّلَ أحكامها فقال {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} أي: فيها حكم الزانية والزاني فهما رفعا بالابتداء والخبر مقدور، وقيل: الخبر {فَاجْلِدُوا} وجاز دخول الفاء لأن التقدير: التي زنت والذي زنى، وجاز بلفظ الأمر كما تقول: زيد اضربه، أي: زيداً أقول لك في حقه اضربه، وقدم الزانية بخلاف السارق لأن أثر الزنا يبدوا عليها من الحبل وزوال البكارة، والزنا: الوطء في الفرج من غير عقد، أو غالب ظن بعقد يصح به الوطء.

{فَاجْلِدُوا} الخطاب للأمة ومن يلي من قِبَلِ الإمام.

{كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} يريد البكرين الحرين لأن الثيبين حكمهما الرجم بالإجماع ولما روي عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: " خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال كنا نقرأ " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة نكالاً من الله والله عزيز حكيم" (٣)،


(١) ذكره ابن جرير في جامع البيان (١٧/ ١٣٧).
(٢) انظر: النكت والعيون (٤/ ٧١).
(٣) هذا جزء من حديث أخرجه البخاري (ك: الحدود، باب: رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، ح: ٦٨٣٠).

وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن قوله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} ناسخ للحبس والإيذاء الوارد في قوله تعالى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ {يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: ١٥] وهذا في حق البكرين، وأن حكم الرجم للزاني المحصن ثابت بحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم، وبفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وإلى هذا القول ذهب الإمام الشافعي في أحكام القرآن (١/ ٣٠٤).
قال الجصاص في أحكام القرآن (٢/ ١٥١) "لم يختلف السلف في أنه- أي: الحبس الإيذاء - منسوخ غير ثابت الحكم".
وقال ابن عطية في المحرر (٢/ ٢٢) "أجمع العلماء على أن هاتين الآيتين منسوختان بآية الجلد في سورة النور".
وانظر: الناسخ والمنسوخ لقتادة (٣٩)، الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد (١٣٢)، الناسخ والنسوخ للنحاس (٢/ ١٦٢، وما بعدها).

<<  <   >  >>