للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في تور من حجارة فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أدعو أصحابه إلى الطعام، فدعوتهم فجعل القوم يجيؤن ويأكلون ويخرجون ثم يجيء القوم فيأكلون ويخرجون.

فقلت يا نبي الله: قد دعوت حتى ما أرى أحدًا أدعوه. فقال: ارفعوا طعامكم فرفعوا، وخرج القوم وبقى ثلاثة يتحدثون في البيت فأطالوا المكث وتأذى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحياء، فنزلت هذه الآية (١).

ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في ناس من المؤمنين كانوا يتحينون طعام رسول الله فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يُدْرِك ثم يأكلون ولا يخرجون، وكان رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يتأذي بهم فنزلت هذه الآية (٢).

والمعنى: لا تدخلوا منازل النبي إلا أن يُؤْذَن لكم إلى طعام، أي: إلا أن يدعوكم إلى طعام يريد أن يُطْعِمْكُموه، والتقدير: إلا أن يؤذن ولأن يؤذن لكم.

{غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} غير منتظرين إدراكه وما يُراد أن يبلغه، وفيه ثلاث لغات: أنى الشيء إناءً، وأناً، وأنياً (٣).


(١) أخرجه البخاري في الصحيح (ك: التفسير، تفسير سورة الأحزاب، باب: (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم)، ح: ٤٧٩٣).
(٢) ذكره البغوي في معالم التزيل (٦/ ٣٧٠)، وابن عطية في المحرر (٤/ ٣٩٥)، وابن الجوزي في زاد المسير (٦/ ٤١٣).
(٣) قال ابن جرير في جامع البيان (١٩/ ١٥٨) "وفيه لغة أخرى، يقال: قد آن لك، أي: يئين لك أيناً"، وانظر: معاني القرآن للزجاج (٤/ ١٧٧)، والمراد: إنضاجه وبلوغه.

قال ابن عطية في المحرر (٤/ ٣٩٥) "وكانت سيرة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكر من شاء إلى دار الدعوة ينتظر طبخ الطعام ونضجه كما في حديث أنس رضي الله عنه، وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك، فنهى الله المؤمنين عن أمثال ذلك في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل النهي سائر المؤمنين ".

<<  <   >  >>