للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: على ميلين من المدينة، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - راكب على (١) حمار فحسب.

والإيجاف: الحمل على الوجيف، وهو السير الشديد، مثل الإيضاع.

وقيل: الإيجاف للخيل، والإيضاع للركاب (٢)، والركاب الإبل (٣).

{وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}: أي: يمكنهم من عدوّهم من غير قتالٍ ويقذف في قلوب أعدائهم الرعبَ.

{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦)}: فجعل ما أخذوا من بني النضير خالصاً لرسوله - صلى الله عليه وسلم - يضعه حيث يشاء، فقسمه النبي (٤) - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين، إلا أبا دُجانةَ (٥) وسَهْلَ ابنَ حُنَيف (٦) فإنهما شَكَوَا فقراً فأعطاهما (٧).

{مَاءً أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}: في هذه الآية ستة أقوال:

أحدها: أن هذه الآيةَ تفسيرٌ للأولى (٨).

وزيّف هذا القولَ بعضٌ من المفسرين، فقال: الآية الأولى نزلت في أموال بني النضير، وقد جعلها الله تعالى (٩) لرسوله خاصة، والآية الثانية لأصنافٍ (١٠) بعينهم، فلا تكون (١١) الأولى (١٢).

والثاني: أن (١٣) ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى هو الجزية والخراج (١٤).

والثالث: قال قتادة: هي منسوخة. والفيء والغنيمة واحد، وكان في بدو الإسلام يقسم الغنيمة على هذه الأصناف ولم يكن لمن قاتل عليها شيءٌ، إلاّ أن يكون في هذه الأصناف، ثمَّ نُسخ بما في الأنفال، فجعل لهؤلاء الخُمسَ، وجعل الأربعةَ الأخماسَ لمن حارب، فقال: {* وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية [الأنفال: ٤١] (١٥).

والرابع: قال سُفْيان الثَّوري (١٦): "الفيء خلاف الغنيمة، والغنيمة ما أُخذ عَنوةً بالغلَبة والحرب، يكون (١٧) خمسُه لهذه الأصناف، وأربعةُ أخماسه للّذين قاتلوا عليه.

والفيء: ما صُولح (١٨) أهلُ الحرب عليه، فيكون مقسوماً في هذه الأربعة الأصناف، ولا يخمّس " (١٩) (٢٠).

والخامس: ذهب بعضُ الفقهاء إلى أن الفيءَ غيرُ الغنيمة أيضاً، وهو: ما صولحوا عليه، إلاّ إنه يُخرج خمسُه في هذه الأصناف، فيكون أربعةُ أخماسه خارجةً في صلاح المسلمين (٢١).

والسادس: قال يزيد بن رومان (٢٢): " الفيء: ما قُوتل عليه وأُوجف عليه بالخيل والركاب " (٢٣) (٢٤). والله أعلم.

قوله: {فَلِلَّهِ}: بدأ بذكره تعظيماً، كقوله (٢٥): {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١]. وكذلك: {الْأَنْفَالُ لِلَّهِ} [الأنفال: ١]، وقد سبق.

وقيل: أصول الأشياء لله.

وقيل: معناه: أنه باق على ملكيته.


(١) " على " ساقطة من (ب).
(٢) في (أ) " الإيجاف: الخيل، والإيضاع الركاب ".
(٣) انظر: معاني القرآن؛ للفراء (٣/ ١٤٤)، مجاز القرآن (٢/ ٥٦)، جامع البيان (٢٨/ ٣٥)، النُّكت والعيون (٥/ ٥٠٣).
(٤) " النبي " ساقطة من (أ).
(٥) أبو دُجانة، هو: سِمَاك بن خَرَشة ويقال سِمَاك بن أوس بن لوذان بن عبد ود بن زيد الساعدي الخزرجي الأنصاري، أبو دُجانة الأنصاري، مشهور بكنيته، وكان أحد الشجعان، وله مقامات محمودة في مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد شهد بدراً، وكان يوم أحد عليه عصابة حمراء، وثبت يوم أحد مع النبي، - صلى الله عليه وسلم -، وبايعه على الموت، وهو من كبار الأنصار، وقد استشهد يوم اليمامة في حرب مسيلمة الكذاب، رمى بنفسه في الحديقة يومئذ فانكسرت رجله فقاتل حتى قتل - رضي الله عنه - شهيداً سنة إحدى عشرة للهجرة. [انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ: الاستيعاب (١/ ٢١٢) سير أعلام النبلاء (١/ ٢٤٣)].
(٦) سهل بن حُنيف بن واهب بن العُكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث بن عمرو بن خناس، ويقال: ابن خنساء بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، يكنى أبا سعيد. وقيل: أبا سعد، شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وثبت يوم أحد، وكان بايعه يومئذ على الموت فثبت معه حين انكشف الناس عنه وجعل ينضح بالنبل يومئذ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " نَبِّلوا سهلاً فإنه سهل ". ثم صحب علياً - رضي الله عنه - من حين بويع له وإياه استخلف علي - رضي الله عنه - حين خرج من المدينة إلى البصرة، ثم شهد مع علي صفين وولَّاه على فارس، فأخرجه أهلها، وتوفي - رضي الله عنه - بالكوفة سنة ثمان وثلاثين للهجرة وصلَّى عليه علي - رضي الله عنه -. [انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ: الاستيعاب (٢/ ٢٢٣) أسد الغابة (٢/ ٥٧٢)].
(٧) انظر: جامع البيان (٢٨/ ٣٦)، زاد المسير (٨/ ٢٢)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ١٤).
(٨) وهو قول الشافعي: [انظر: جامع البيان (٢٨/ ٣٨)، أحكام القرآن؛ لابن العربي (٤/ ٢١٤)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ١٦)].
(٩) " تعالى " ساقطة من (ب).
(١٠) في (ب) " لأصنافهم ".
(١١) في (أ) " فلا يكون ".
(١٢) انظر: جامع البيان (٢٨/ ٣٨)، أحكام القرآن؛ لابن العربي (٤/ ٢١٤)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ١٦).
(١٣) " أن " ساقطة من (ب).
(١٤) وهو قول معمر. [انظر: جامع البيان (٢٨/ ٣٧)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ١٤)].
(١٥) انظر: الناسخ والمنسوخ؛ لقتادة (ص: ٤٨)، جامع البيان (٢٨/ ٣٧)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ١٤).
(١٦) سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع الثُّوري، أبو عبد الله الثَّوري الكوفي، شيخ الإسلام، وإمام الحفاظ، وسيد العلماء العاملين في زمانه، والفقهاء في الدين ممن لزم الحديث والفقه والورع والعبادة ولم يبال بما فاته من حطام هذه الفانية الزائلة مع سلامة دينه له حتى صار عَلَمَاً يرجع إليه في الأمصار وملجئاً يقتدى به في الأقطار. قال عباس الدوري: " رأيت يحيى بن معين، لا يقدم على سفيان أحداً في زمانه، في الفقه والحديث والزهد وكل ... شيء ". وقد توفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة للهجرة. [انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ: مشاهير علماء الأمصار (ص: ٢٠١)، سير أعلام النبلاء (٧/ ٢٢٩)].
(١٧) في (ب) " فيكون ".
(١٨) في (أ) " ما صالح ".
(١٩) في (أ) " ولا تُخمَّس ".
(٢٠) انظر: جامع البيان (١٠/ ١) المحرر الوجيز (٢/ ٥٢٨).
(٢١) انظر: جامع البيان (٢٨/ ٣٧)، أحكام القرآن؛ لابن العربي (٤/ ٢١٤).
(٢٢) يزيد بن رومان الأسدي أبو روح المدني، مولى آل الزبير، روى عن ابن الزبير وأنس وعبيد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر، وكان من قراء أهل المدينة، وكان عالماً كثير الحديث ثقة. قال النسائي: " ثقة "، وذكره ابن حبان في الثقات. وقد توفي سنة ثلاثين ومائة للهجرة. [انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ: مشاهير علماء الأمصار (ص: ١٦٤)، تهذيب التهذيب (١١/ ٢٨٤)].
(٢٣) انظر: جامع البيان (٢٨/ ٣٧)، زاد المسير (٨/ ٢٢).
(٢٤) قال ابن جرير: " والصواب من القول في ذلك عندي أنَّ هذه الآية حكمها غير حكم الآية التي قبلها، وذلك أنَّ الآية التي قبلها مال جعله الله عز وجل لرسوله - صلى الله عليه وسلم - خاصة دون غيره لم يجعل فيه لأحد نصيباً، وبذلك جاء الأثر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - " [جامع البيان (٢٨/ ٣٨)]، وقال ابن جزي: " والصحيح أنه لا تعارض بين هذه الآية وبين آية الأنفال؛ فإن آية الأنفال في حكم الغنيمة التي تؤخذ بالقتال وإيجاف الخيل والركاب، فهذا يُخرج منه الخمس ويقسم باقيه على الغانمين، وأما هذه الآية ففي حكم الفيء: وهو ما يؤخذ من أموال الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، وإذا كان كذلك فكل واحدة من الآيتين في معنى غير معنى الأخرى ولها حكم غير حكم الأخرى؛ فلا تعارض بينهما ولا نسخ " [التسهيل لعلوم التنزيل (٤/ ١٠٨)].
(٢٥) في (ب) " لقوله ".

<<  <   >  >>