للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)}: جعل أسفلها أعلاها , وقلب ترابها بإخراج موتاها (١). وقيل: يخرج ذهبها وفضتها - وهي من أشراط الساعة - ثم موتاها (٢).

{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥)}: هذا جواب {إِذَا} أي: علم كل نفس مَا {قَدَّمَتْ} من خير وشر. {وَأَنَّهُمْ} من سُنَّة عُمِل بها.

وقيل: {مَا قَدَّمَتْ} فعملت به , {وَأَخَّرَتْ} فلم تعمل به.

وقيل: ذلك عبارة عن جميع أحواله وأعماله أعماله وأحواله (٣) (٤). وقد سبق.

{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦)} أي: خدعك وسوّل لك حتى أضعت ما يجب عليك , والمعنى: ما الذي حملك على هذا مع ربٍّ كريمٍ قد أنعم عليك بالخلْق والتسوية والتعديل؟! (٥)

وقيل: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ} أي: أغفلك عنه , تقول العرب: ما غَرَّكَ مني، أي: لم وثقت بي؟ وما غرَّك بي (٦): أي ما أجرأك عليّ , وما أغرك عني: أي أغفلك.

والغِرَّة: الغفلة , والمعنى: ما حملك على الغفول عن طاعة ربٍّ خيره (٧) عندك كثير (٨).

عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: " نزلت في أُبيّ بن خلف (٩) " (١٠).


(١) انظر: جامع البيان (٣٠/ ٨٥)، معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ٢٢٨).
(٢) وهو قول الفرَّاء في معاني القرآن (٣/ ٢٤٣)، وتعقَّبه النَّحَّاس وغلَّطه في ذلك. [انظر: إعراب القرآن؛ للنَّحَّاس (٥/ ١٠٤)].
(٣) في (أ) " أعماله وأحواله ".
(٤) انظر: جامع البيان (٣٠/ ٨٥)، تفسير الثَّعلبي (١٠/ ١٤٥)، النُّكت والعيون (٦/ ٢٢١).
(٥) انظر: معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ٢٢٨)، تفسير السَّمعاني (٦/ ١٧٣).
(٦) في (ب) " غرك بربي ".
(٧) في (ب) " خبره ".
(٨) انظر: غرائب التفسير (٢/ ١٣١٥)، زاد المسير (٨/ ٢١٥)، لسان العرب (٥/ ١١)، مادة " غَرَرَ ".
(٩) أُبي بن خَلَف الجُمَحي، من سادات قريش، وأعداء الدين، وقد هلك عدو الله يوم أحد، كما جاء خبر هلاكه في السِّير، وذلك حينما أُسْنِدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشِّعب يوم أحد أدركه أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ، وهو يقول: أَيْ محمد لا نجوتُ إن نجوتَ، فقال القوم: يا رسول الله: أيعطف عليه رجل منَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ دَعُوهُ فَلَمّا دَنَا، تَنَاوَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحَرْبَةَ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ الصّمّةِ، فَلَمّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً، ثُمّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَقَلّبَ بها عَنْ فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَتَدَحْرَجُ، وَكَانَ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ، يَلْقَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكّةَ فَيَقُولُ: يَا مُحَمّدُ إنّ عِنْدِي الْعَوْذَ فَرَسًا أَعْلِفُهُ كُلّ يَوْمٍ فَرَقًا مِنْ ذُرَةٍ أَقْتُلُك عَلَيْهِ، فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: بَلْ أَنَا أَقْتُلُك إنْ شَاءَ اللهُ. فَلَمّا رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ وَقَدْ خَدَشَهُ فِي عُنُقِهِ خَدْشاً غَيْرَ كَبِيرٍ فَاحْتَقَنَ الدّمُ، قَالَ: قَتَلَنِي وَاللهِ مُحَمّدٌ، قَالُوا لَهُ: ذَهَبَ وَاللهِ فُؤَادُك، وَاللهِ إنْ بِك مِنْ بَأْسٍ، قَال: إنّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكّةَ أَنَا أَقْتُلُك، فَوَ اللهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيّ لَقَتَلَنِي، فَمَاتَ عَدُوّ اللهِ بسَرِفٍ وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إلَى مَكّةَ. [انظر: السيرة النبوية؛ لابن هشام (٢/ ٨٣)، الروض الأنف (٣/ ٢٦٨)].
(١٠) لم أقف من قول ابن عباس - رضي الله عنهما -، وهو مروي عن عكرمة، ولعله رواه عن ابن عباس. [انظر: تفسير ابن أبي حاتم (١٠/ ٣٤٠٨)، النُّكت والعيون (٦/ ٢٢١)].

<<  <   >  >>