للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا رب لا أرجو لهم سواكا ... يا رب فامنع منهمُ حماكا

إن عدوَّ البيت من عادكا ... امنعهُمُ أن يُخربوا قراكا

ثم أصبح عبد المطلب وارتفع على الجبل، وأقبل نحو الكعبة رافعاً يده يدعو، ويقول:

لا هُمَّ إن المرء يَمْـ ... ـنَع رحله فامنع رحالكْ

لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غَدْواً مِحالكْ

إن كنت تاركهم وقبـ ... لتنا فأمر ما بدا لكْ

ثم إن أبرهة تهيأ للدخول، وعبَّأَ الجيش وهيَّأَ الفيلة، فأنشأ الله - تعالى - من شاطئ البحر طيراً سوداً صغار المناقير خضر الأعناق طوالها، قد أقبلت كالليل يكسع بعضها بعضاً، أمام كل فرقة طير يقودها أحمر المنقار، وكان في مناقيرها وأظافيرها ثلاثة أحجار، فجاءت حتى حاذت بعسكر القوم، ركدت فوق رؤوسهم , فلما توافت الرعال كلها أهالت ما في مناقيرها على من تحتها مكتوب على كل حجر اسم من يقتله به، فجعل الحجر يقع على رأس صاحبه فيصل إلى جوفه، وكانت الحجارة أكبر من العدسة، وأصغر من الحُمُّصَة لا يصيب منها أحداً إلا هلك، وليس كلهم يصيب، فتولى أبرهة بمن بقي هاربين فجعل أبرهة يسقط عضواً عضواً.

وقيل: لم يفلت منهم إلا أبو يكسوم فسار وطائر فوقه يطير ولا يشعر به، حتى دخل على النجاشي فأخبره بما أصابهم , فلمّا استتم كلامه أتاه الطائر فرماه به فسقط فمات فأرى الله النجاشي كيف كان هلاك أصحابه (١).

قتادة: " أبو يكسوم هو أبرهة، ونجى الفيل الملقب بمحمود لإحجامه عن الإقدام على الحرم " (٢).

ثم إنَّ الطير انصاعت راجعة من حيث جاءت , فلمّا أبطأ على عبد المطلب مجيء القوم، ذهب ينظر ما خبرهم، فوجدهم قد بادوا، فحمل ما شاء من صفراء وبيضاء، وأذن [أهل] (٣) مكة، فصاروا إلى معسكرهم، فانتهبوا ما فيه (٤).


(١) لم أقف عليه.
(٢) ذكره ابن جرير في جامع البيان (٣٠/ ٣٠٣) بمعناه عن قتادة.
(٣) في النسختين " أهل "، والصواب ما أُثْبِتَ.
(٤) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٥٢٠)، جامع البيان (٣٠/ ٢٩٦)، تفسير الثعلبي (١٠/ ٢٨٨)، النُّكت والعيون (٦/ ٣٣٩)، تفسير القرآن العظيم (٤/ ٥٨٧).

<<  <   >  >>