حبيبًا. وعظمت الخطوب والعظائم، ولم يبق إلا القليل ممن لا تأخذه في الله لومة لائم فظل- بذلك- علم الدِّين مندرسًا، ومنار الهدى- في أقطار الأرض- منطمسًا، وأصبح بين الخلق مطويًا، وبات نسيًا منسيًا. فما أقرب الساكتين عن المنكر من فاعليه وما أبعدهم من ذوق حلاوة الإيمان وما فيه، وما أحقهم بلزوم هذه الآية الشريفة الشريفة التي تظهر للناس سريرتهم قوله- تعالى-: {لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوأدُّون من حادَّ الله ورسوله ول كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} فمن سعى في تلافي هذه الفتن المستمرة، وسد تلك الثلمة المستقرة، فقد جدد السنة الفاخرة، ناهضًا بإحياء معالمها الداثرة، (لأن معظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروف بالعقل والتجارب ومعظم الشرائع، إذا لا يخفى على عاقل قبل ورود الشرع أن تحصيل المصالح المحضة ودرء المفاسد المحضة عن نفس الإنسان، وعن غيره محمود حسن، وأن تقديم أرجح المصالح فأرجحها محمود حسن، وأن (درء) أفسد المفاسد فأفسدها مقصود حسن. وأن تقديم المصالح الراجحة على المفاسد المرجوحة محمود حسن. وأن درء المفاسد الراجحة عن المصالح المرجوحة محمود حسن.
واتفق العلماء على ذلك. كما قال الإمام الحبر عز الدين بن عبد السلام. ثم قال: واعلم أن أكساب العباد ضربان.
أحدهما: ما هو سبب المصالح وهو أنواع: أحدها ما هو سبب لمصالح دنيوية والثاني ما هو سبب لمصالح أخروية والثالث ما هو سبب لمصالح دنيوية وأخروية. وكل هذه الأكساب مأمور بها، ويتأكد الأمر بها على قدر مراتبها في الحسن والرشاد.
الضرب الثاني: من الإكساب: ما هو سبب المفاسد وهو أنواع أحدها: ما هو سبب لمفاسد دنيوية، الثاني: ما هو سبب لمفاسد أخروية. الثالث: ما هو سبب لمفاسد دنيوية وأخروية وكل هذه الأكساب منهي عنها، ويتأكد النهي عنها على قدر مراتبها في القبح والفساد) انتهى. والله أعلم.
فلما شاهدت نقص الدين بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ملمًا، قصدت جمع كتاب- يفصل ذلك والتحريض عليه- مهمًا. وذلك بعد استخارة الله وسؤاله أن يصحبني توفيقًا، ويفتح- لي إلى ذلك المنهج- طريقًا، لأن أولى ما انصرفت إليه عناية ذوي الهمم، وأحق ما اهتدى بأنواره في غياهب الظُّلم، وأنفع ما استدرت به صنوف النعم. وأمتع ما