للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم على ذلك أبياتًا فقال:

وهجران من يدعو الأمر معضل ... أو مفسق احتمه بغير تردد

على غيره من يقوى على دحض قوله ... ويدفع إضرار المضل بمزود

ويقضي أمور الناس عند مجيئه ... ولا هجر مع تسليمه المتعود

وحظر نبينا التسليم فوق ثلاثة ... على غير من قلنا يهجر فأكد

قال القاضي أبو يعلى: وإنا لم نهجر أهلل الذمة لأنا عقدنا معهم لمصلحتنا بأخذ الجزية فلو قلنا يهجرون زال المعنى المقصود وأما أهل الحرب ففي الإمتناع من كلامهم ضرر، لأنه يؤدي إلى ترك مبايعتهم وشرائهم.

وأما المرتدون فإن الصحابة باينوهم بالحرب والقتال وأي هجر أعظم من هذا؟

[فصل (٢٧): على الآمر الناهي أن يسلك مع العصاة والفساق مسالك بحسب مراتبهم في مخالفة أوامر الله]

قال أبو حامد الغزالي -رحمه الله- فإن قيل: فالعصاة والفساق على مراتب مختلفة فكيف ينال الفضل بمعاملتهم؟ وهل يسلك بجميعهم في الهجرة والبغض مسلكًا واحدًا أن لا؟ فاعلم أن المخالف لأمر الله -سبحانه- لا يخلو إما أن يكون مخالفًا في عقده أو في عمله والمخالف في العقد إما مبتدع أو كافر. والمبتدع إما داع إلى بدعته أو ساكت إما لعجزه أو باختياره: فإن أقسام الفساد ثلاثة:

الأول: الكفر، فالكافر إن كان محاربًا فهو مستحق للقتل والإرقاق وليس بعد هذين الأمرين إهانة.

وأما الذمي فإنه لا يجوز إيذاؤه إلا بالإعراض عنه والتحقير له بالاضطرار إلى أضيق الطرق وترك البداءة بالسلام فإن قال: السلام عليكم قيل: وعليك. والأولى الكف عن مخالطته ومعاملته ومؤاكلته فإنما الإنبساط معه والاسترسال إليه كما يسترسل الأصدقاء فهو مكروه كراهة شديدة يكاد أن ينتهي ما يقوى منها إلى حد التحريم.

<<  <   >  >>