فهكذا ينبغي أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في درجة الوعظ والنصح، لأن المواعظ مثل الأغذية التي تشترك العامة في التغذي بها ولأجل فقد الوعاظ العارفين انحصر باب الاتعاظ وغلبت المعاصي والفساد، وبلي الخلق بوعاظ يزخرفون أشجانًا، وينشدون أشعارًا. ويتكلفون ذكر ما ليىس في وسع علمهم ويعرضون بذكر العقائد المختلف فيها، ويقذفون العلماء والأخيار من السلف والخلف والأحياء والأموات بحسب ميل أهويتهم ووقوع أغراضهم مما ليسر للناس به كثير نفع، بل يكون ذلك - في الغالب. سببًا لإظهار الخصومات وتحريك العداوات و (إساءة) العقائد والظنونات فيسقط - حينئٍذ - عن القلوب وقارهم حيث لم يكن كلامهم صادرًا عن القلب فلأجل ذلك لم يدخل إلى القلب، بل الواعظ ينحرف والمستمع يتكلف نعوذ بالله من مضلات الفتن وما ظهر منها وما بطن.
[فصل - (٢٥): الدرجة الرابعة من درجات النهي عن المنكر]
وأما الدرجة الرابعة: من درجات النهي عن المنكر فهي السب والتعنيف بالقول الغليظ الخشن وذلك يعدل إليه عند العجز عن المنع باللطف وظهور مبادئ الإصرار والاستهزاء بالوعظ والنصح وذلك مثل قول إبراهيم - صلوات الله عليه - {أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون}
ومعنى القول الخشن أن يقول:(يا فاسق يا أحمق يا جاهل ألا تخاف الله؟ ! ألا تستحي من الله؟ أو ما في معنى ذلك وما يجري مجراه، فإنّ كل فاسق أحمق جاهل)
والأحمق (من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله) كما في حديث شداد بن أوس من رواية الترمذي وابن ماجه مرفوعًا.
ثم يجب أن يكون قصد الآمر الناهي تغليظ القول، وتخشينه رجوع المأمور عن ذلك المنكر لا الانتصار لنفسه لكونه رد كلامه أولًا، أو لاستهزائه به فإنّ الآمر الناهي ربما يكون