أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي. فضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البعث إلى الحارث وأقبل الحارث بأصحابه، إذا استقبل البعث وفصل من المدينة لقيهم الحارث. فقالوا: هذا الحارث فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك. قال: ولم؟ قالوا: إذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان بعث إليك الوليد بن عقبة. فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: لا، والذي بعث محمدًا بالحق ما رأيته، ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ قال: والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلاّ حين احتبس عليَّ رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خشيت أن تكون كانت سخطة من الله ورسوله فنزلت:{يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق ... } إلى قوله: { ... والله عليم حكيم}.
قال بعض المفسرين: وفي هذه الآية دليل على قبول خبر الواحد، إذا كان عدلًا، لأنه -سبحانه - إنما أمر في الآية بالتثبت عند نقل خبر الفاسق.
وفيها دليل- أيضًا - على فساد قول من قال: إن المسلمين كلهم عدول حتى يثبت الجرح؛ لأن الله - تعالى- أمر بالتثبت قبل إنفاذ الحكم، فإن حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب المحكوم عليه بجهالة وإن قضى بما يغلب على الظن لم يكن ذلك عملًا بجهالة، كالقضاء بالشاهدين العدلين، وقبول قول العالم المجتهد. وإنما العمل بجهالة قبول قول من لا يحصل غلبة الظن بقوله).
[فصل - (٢٢): الدرجة الثانية: في الأمر النهي عن المنكر التعريف]
وأما الدرجة الثانية: فهي التعريف، فإن المنكر قد يقدم عليه المقدم بجهله، وإذا عرف أنه منكر تركه، كالسوادي يصلي ولا يحسن الركوع والسجود فيعلم - أن ذلك لجهله - بأن هذه ليست بصلاة ولو رضي بأن لا يكون مصليًا لترك أصل الصلاة، فيجب تعريفه باللطف من غير عنف؛ وذلك لأن في ضمن التعريف نسبة إلى الجهل، والحمق والتجهيل إيذاء وقل أن يرضي الإنسان (بأن ينسب إلى الجهل) بالأمور لا ميما بالشرع، ولذلك ترى الذي يغلب عليه الغضب كيف يغضب إذا نبه على الخط والجهل؟ وكيف يجتهد في مجاهدة الحق بعد معرفته، خيفة من أن ينكشف عورة جهله؟ والطباع أحرص على ستر عورة الجهل منها على ستر العورة الحقيقية؛ لان الجهل قبح في صورة النفس وسواد في وجهها وصاحبها