قال أبو حامد: نعم إذا تعرض لوعيده بالضرب والاستحقاق فله العزم عليه إلى حد معلوم يقتضيه الحال، وله أن يزيد في الوعيد على ما هو في عزمه الباطن إذا علم أن ذلك مما يقمعه ويردعه وليس ذلك من الكذب المحذور، بل المبالغة في مثل ذلك معتادة، وهي في معنى مبالغة الرجل في إصلاحه بين شخصين، وتأليفه بين الضرتين، وذلك مما قد رخص فيه للحاجة، وهذا في معناه، وإلى هذا المعنى أشار بعض العلماء إلى أنه لا يقبح من الله -تعالى- أن يتوعد بما لا يفعل، لأن الخلف في الوعيد كرم وإنما يقبح أن يعد بما لا يفعل، وهذا غير مرض عندنا؛ فإن الكلام القديم لا يتطرق إليه الخلف، وعدًا كان أو وعيدًا، وإنما يتصور هذا في حق العباد وهو كذلك إذ الخلف في الوعيد ليس بحرام. انتهى والله أعلم.
[فصل (٣٤): الدرجة السابعة مباشرة الضرب باليد والرجل بلا شهر سلاح]
وأما الدرجة السابعة: فهي مباشرة الضرب باليد والرجل وغير ذلك مما ليس فيه شهر سلاح وذلك جائز للآحاد بشرط الضرورة والاقتصار على قدر المنكر. فينبغي أن يكف فإن احتاج إلى إشهار سلاح وكان في قدرته دفع المنكر بشهر السلاح وبالحرج فإن له أن يتعاطى ذلك.
كما لو قبض فاسق مثلًا على امرأة أو كان يضرب بمزمار مثلًا وبينه وبين الآمر نهر حائل أو جدار مانع فيأخذ قوسه ويقول له: خل عنها أو لأرمينك فإن لم يخل عنها فله أن يرميه. وينبغي أن لا يقصد المقتل بل الساق والفخذ وما أشبهه. ويراعى في ذلك كله التدريج، وكذلك يسل سيفه ويقول: اترك هذا المنكر أو لأضربنك، فكل هذا دفع للمنكر. ودفعه واجب بكل ممكن ولا فرق في ذلك بين ما يتعلق بخاص حق الله وما يتعلق بالأدميين.
فقال أبو حامد: فإن قيل: فلو قصد الإنسان قطع طرف من نفسه وكان لا يمتنع عن ذلك إلا بالقتال ربما يؤدي إلى قتله فهل تقاتله عليه؟ فان قلتم: يقاتل فهو محال، لأنه إهلاك نفس خوفًا من إهلاك طرف وفي إهلاك النفس إهلاك الطرف - أيضًا - قلنا يمنعه عنه ويقاتله، إذ ليس غرضًا في حفظ نفسه وطرفه بل الغرض حسم سبل المنكرات والمعاصي،