والأدب الثاني: أن يقتصر في طريق التغيير على القدر المحتاج إليه، وهو أن لا يأخذ بلحيته في الإخراج ولا برجله إذا قدر على جره بيده، فإن زيادة الأذى فيه مستغنى عنه، وأن لا يمزق ثوب الحرير بل يحل دروزه فقط، ولا يحرق الملاهي والصليب الذي أظهره النصارى بل يبطل صلاحيتها للفساد بالكسر، وحد الكسر أن يصير في حالة يحتاج اسئناف إصلاحها إلى تعب يساوي تعب عملها في المرة الأولى من الخشب ابتداء. قاله الغزالي.
وقال صاحب الرعاية الكبرى، ويكفي إزالة التأليف، وقطع الوتر يعني من الملاهي.
(ونقل "مهنا" عن "أحمد" في رجل دخل منزل رجل فرأى قنينة فيها نبيذ، ينبغي أن يلقى فيها ملحًا أو شيئًا يفسده).
وقال القاضي أبو يعلى: وهذا صحيح، لأن بالإفساد قد زال المنكر، وكذلك قال العلماء في كسر بيض القمار والجوز بحيث. لا ينفع للقمار إعاد ة، فإن زاد على ذلك ضمن.
وقد تقدم في قول صاحب النظم:
وبيض وجوز للقمار بقدر ما ... يزيل عن المنكور مقصد مفسد
[فصل- (٣٣): الدرجة السادسة من درجات النهي عن المنكر التهديد والتخويف]
وأما الدرجة السادسة: فهي بالتهديد والتخويف كقوله: دع عنك هذا، أو لأكسرن رأسك أو لأضربن رقبتك، أو لأفعلن بك كذا وكذا مما يشابه ذلك.
قال الغزالي: وهذا ينبغي أن يقدم على تحقيق الضرب إذا أمكن تقديمه، والأدب في هذه الدرجة أن لا يهدده بوعيد لا يجوز تحقيقه كقوله: لأنهبن دارك أر لأضربن ولدك أو لأسبين زوجتك، وما يجري مجراه، بل إن قال ذلك عن عزم فهر حرام، وإن قاله عن غير عزم فهو كذب.
كما روي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه- أنه كتب إلى عكرمة وهو عامله "بعمان" يقول: إياك وأن تتوعد في معصيبة بأكثر من عقوبته، فإنك إن فعلت أثمت وإن لم تفعل كذبت وكلا الأمرين ذميم.