للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكبر عليه بل (هو) متواضع يرى قدره عند مولاه فوق قدر نفسه, لأن الولد أعز لا محالة من الغلام. ومع ذلك فينبغي أن يكون غضبه بحكم الأمر (محبه) لمولاه إذا جرى ما يكرهه, مع التواضع لمن يجوز أن يكون عنده أقرب منه في الآخرة. وأما المغرور فإنه يتكبر ويرجو لنفسه (أكثر) مما برجوه لغيره مع جهله بالعاقبة, ولذلك غاية الغرور.

قال بعضهم: والفرق بين الغضب للحق, والغضب للنفس, أن الغضب للحق كرجل رأي منكرًا فغار لله- عز وجل- ولمحق ذلك المنكر وإبطاله فهو محمود, والغضب للنفس فهو كرجل رأي منكرًا فحميت نفسه, لأنه رجع إلى نفسه فقال بين يدي مثل هذا؟ ! ولقد استهزئ بقدري واجترئ علي. فهذا الغضب مردود والإنكار فيه غير مقبول. انتهي.

وسيأتي الكلام علي التكبر- في الأمر بالمعروف والنهي, واستحقار المأمور- في الباب الخامس- إن شاء الله تعالي. والله أعلم.

فصل (٨): وجوب حذر الغاضب عند انتهاك حرمات الله من الشوائب الدنيوية.

ثم ليحذر في غضبه من الشوائب الدنيوية, لأن ذلك من أسباب زلته وخذلانه, كما في الإسرائيليات أن عابدًا عبد الله- تعالى- دهرًا طويلًا فجاء قوم فقالوا: إن ههنا (قومًا) يعبدون شجرة من دون الله, فغضب لذلك, وأخذ فأسه علي عاتقه, وقصد الشجرة ليقطعها فاستقبله "إبليس" في صورة شيخ. فقال: أين تريد رحمك الله؟ قال: أريد قطع هذه الشجرة. قال وما أنت وذاك! تركت عبادتك واشتغالك بنفسك وتفرغك لغير ذلك؟ فقال: إن هذا من عبادتي. فقال: فإني لا أتركك أن تقطعها, وقاتله فأخذه العابد فطرحه علي الأرض, وقعد علي صدره. فقال له "إبليس" أطلقني حتى أكلمك, فقام عنه. فقال له "إبليس": يا هذا إن الله أسقط عنك هذا ولم يفرضه عليك, وما تعبدها أنت فما عليك من غيرك ولله-تعالي - أنبياء في الأرض ولو شاء لبعثهم إلى أهلها وأمرهم بقطعها. قال العابد: لا بد لي من قطعها فنابذه القتال, فغلبه العابد وصرعه وقعد علي صدره فعجز "إبليس" فقال له: هل لك من أمر فصل بيني وبينك وهو خير لك وأنفع؟

قال: بلى.

قال: أطلقني حتى أقول لك, فأطلقه.

<<  <   >  >>