وذكر الحافظ عبد الغني- عن عبد الله بن محمد الباهلي، قال: جاء رجل إلي سفيان الثوري فقال: إني أريد الحج فقال: لا تصحب من يتكرم عليك، ساويته أضر بك، وإن تفضل عللك استذلك.
ولبعصهم:
أطعت مطامعًا فأفدت ذلًا ... وخير من تذلك القنوع
فمن طمع ف الخلق لم يخل من الذل والخيبة. وإن وصل إلي المراد لم يخل عن المنة والمهانة.
فكيف تتعلق يا عبد الله برجاء كاذب، ووهم فاسد؟ قد يصيب وقد تخطئ، فإذا أصاب فلا تقي لذاته بألم منته ومذلته.
ولبعضهم:
أزلت مطامعي وأرحت نفسي ... فإن النفس ما طمعت تهون
فمن لم يكن متورعًا عما في أيدي الناس ومتورعًا في أمره ونهيه عن الميل إلي الهوى فإن كلامه لا يصير مقبولًا. والناس يهزؤن به إذا أنكر عليهم وربما أورث ذلك جرأة عليه من المأمور. كما سيأتي في وضعه- من الباب الخامس- والله أعلم.
وأما وجوب اتصاف الآمر بحسن الخلق، فليتمكن الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر من الرفق، وسعة الصدر واللطف والحلم، وذلك أصل الأمر بالمعروف والنهي وأساسه وهو نتيجة حسن الخلق. فمن (شأن) المعلم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر التحلي بمكارم الأخلاق وسعة الصدر ليتحمل جفاء العامة وغلظهم له فوجب أن يكون المعلم هو الآمر الناهي محل الفضائل وسعة الصدر. وقد علمنا ثناء في الكتاب والسنة علي حسن الخلق، فمن ذلك ومن ثناء الكتاب والسنة علي حسن الخلق:
قال الله تعالي:{فبما رحمة من الله من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}.