فقال: } ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قومٌ يفرقون {وعدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الفرار من الزحف من الكبائر.
وأما دلائل السنة فمن وجوه كثيرة:
منها: أن المسلمين كانوا يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر وكان عدوهم بقدرهم ثلاث مرات وأكثر. وبدر أعظم الغزوات.
فعلم أن القوم يشرع لهم أن يقاتلوا من يزيدون على ضعفهم ولا فرق بين الواحد والعدد (ومنها: أن المسلمين يوم أحد كانوا نحوًا من ربع العدو، فإن العدو كانوا ثلاثة آلاف أو نحوها وكان المسلمون سبعمائة أو قريبًا منها).
ومنها: أن المسلمين يوم الخندق كان العدو بقدرهم مرات، فإن العدو كانوا أكثر من عشرة آلاف وهم الأحزاب الذين تحزبوا عليهم من قريش وحلفائها، وبني قريظة وغيرهم وكان المسلمون - بالمدينة - دون الألفين. و - أيضًا - فقد كان الرجل وحده على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -: يحمل على العدو بمرأى من النبي - صلى الله عليه وسلم - وينغمس فيهم ويقاتل حتى يقتل. وهذا كان مشهورًا بين المسلمين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه.
[فصل - (٦): سقوط وجوب أمر خواص العلماء الحكام ونهيهم عند توقع ضر لا يطاق]
فربما يظن بعض من لا يعلم أن ما تقدم - في هذا الفصل - مخالف لموجب الآية الشريفة أعني قوله - تعالى -} وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين {وليس كذلك. فقد روى البخاري عن حذيفة بن اليمان أنه تلى} وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة {ثم قال: نزلت في وجوب النفقة.
قال أبو عبد الله الزجاج: التهلكة الهلاك. ويقال: هلك يهلك هلاكًا وتهلكة وقال الليث بن سعد: الهلكة كل شيء تصير غايته إلى الهلاك.
ومعنى الهلاك الضياع وهو مصير لا يدري أين هو.
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه، وابن أبي حاتم - بسنديهما - عن أبي إسحاق